بين الحكومة والعمال..  كلام لا يُسمن ولا يغني عن جوع!
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

بين الحكومة والعمال.. كلام لا يُسمن ولا يغني عن جوع!

يحاول العامل السوري في القطاع الخاص، اللحاق بالتسارع الجنوني للأسعار عبر حلول فردية وعفوية، ورغم محاولات نقابات العمال غير المثمرة لثني الحكومة عن سياساتها المحابية لحيتان الفساد. لتستمر الهوّة بين أجر العامل السوري، ومتطلبات معيشته بالاتساع أكثر مع كل يوم جديد يمر من عمر الأزمة السورية، والتي لم تكن على خير مايرام قبل الأزمة بكل تأكيد.

من البديهيات، أن لقمة عيش العامل هي هاجسه المستمر، وغايته الأولى ومهمته الأساسية، وفي الأحوال كلها يجد العامل نفسه مضطراً للتكيف مع الظروف كلها، فيكتشف عادةً حلولاً فردية تخفف معاناته، وتبعده عن طوابير العاطلين عن العمل. يقابل مسؤولونا الحكوميون نزعة التكيف العالية بالمواربة، فبدلاً من إيجاد حلول أخرى تقلل من تكاليف التكيف الجديد للعامل الباهظة على اقتصادنا ومواطنينا، يطلع علينا المسؤولون بكيل المديح لقدرات العامل على التكيف، وليتبرؤوا بذلك من مسؤولياتهم في تأمين شروط صمود العمال داخل البلد، فهم ثروة لا ينبغي خسارتها. فكيف يواجه عمالناً مصيرهم المظلم في ظل هذا الواقع؟!

نزيف العمالة

تختلف الطرق التي يلجأ لها العمال في مواجهة تردي أحوالهم، وفقاً لاختلاف عوامل كثيرة، فعمال القطاع العام تختلف حلولهم عن عمال القطاع الخاص، كما تختلف وفقاً للبيئة، والمهنة، ودرجة التأثر، وما إلى هنالك من عوامل أخرى، وأول الحلول التي يمكن أن ندركها -إذا ما نظرنا للأعداد الهائلة من العمالة السورية التي تعمل في لبنان والأردن ومصر بالدرجة الأولى، ودول عربية أخرى، وغربية بالدرجة الثانية- هو السفر، وهو خيار للكثير من العمال الذين فقدوا أعمالهم، أو لم يعد يستطيع أجرهم المتآكل من تحقيق الحد الأدنى من معيشتهم، هذا بالإضافة إلى بحثهم عن الأمان في ظل ارتفاع منسوب العنف، وبالتالي إحساسهم بالخوف على حياتهم وانغلاق الأفق أمامهم.
كان على الحكومة، وضع أولوية الإنتاج على رأس اهتمامتها، فبذلك تحافظ على عمالنا وعلى الإنتاج الوطني، كي لا نخسر تلك الخبرات التي تراكمت عندهم، والتي سيستفيد منها آخرون.


تغير في طبيعة الإنتاج!

ويمكن أن نلحظ ظاهرة أخرى لتكيف عمالنا مع هذا الواقع، تتجلى في ظاهرة انتشار البسطات، التي تتزاحم على أرصفة المدينة وفي أسواقها الرئيسية، وفي كل أسواق الأحياء، فمن السهولة أن نعرف بأن النسبة الأعلى من أصحابها هم عمال سابقون، وبعض الحرفيين وجدوا في عملهم الجديد حلاً ممكناً لهم.  كذلك نرى الكثير من العمال في أوساط سائقي الأجرة والميكرو باص، وأيضاً في سوق الهال، ومراكز بيع الجملة، ومستودعات الشركات. يعملون في العتالة بأجرٍ يومي.


تردي شروط العمل

أما من بقي في مكان عمله السابق أو في مهنته نفسها، فهنالك روايات أخرى تحوي عشرات المصاعب والظروف، فمع كل ارتفاع جديد للأسعار تتضاعف الحاجة لحل ما، فزيادة الأجر خارج حسابات رب العمل المتمسك بزيادة أرباحه وبالعملة الصعبة، ما يضطر العامل لرفع عدد ساعات عمله أو حتى مضاعفتها لزيادة دخله.
آخرون اختاروا المبيت في المعمل نفسه كي يسجل ساعات عمل قصوى، ويوفر أجور النقل المرتفعة، وهناك من يعمل نهاراً في مكان، وليلاً في مكان آخر، ليحصل على أجرين، ويبتدع عشرات الأفكار بتدبير شؤون منزله ليقلص ما أمكن من نفقاته، مضطراً للتقشف هو وعائلته ليصل إلى حدود الحرمان الكلي من بعض الضروريات.

مديح وتخلي!

إن محاولات تكيف العمال مع واقعهم، وتمسكهم بلقمة العيش الشريفة والكريمة، جعل أصحاب الشأن يكتفون بالتغني والتباهي بميزات العامل السوري، وسماته الوطنية، وقدراته الذاتية، وقدرته العظيمة على تخطي الأزمات. متخلًين عن كامل واجبهم بالدفاع عن مصالحه ومعيشته ومقومات صموده، وتجد في خطاباتهم مشاعر «العز» و«الافتخار» و«الامتنان» للعامل السوري الذي يبذل الغالي والرخيص، من أجل استمرار الإنتاج وصمود الاقتصاد الوطني، تاركين له وحده مواجهة التدهور المستمر لأوضاعه، التي أصبحت كارثية!.
إن استمرار هذا التغاضي والتخلي عن أوضاع الطبقة العاملة، سيؤدي بالضرورة إلى عواقب كبيرة، لن يستطيع أحد احتوائها، فكل تلك المحاولات الذاتية والفردية التي يتبعها العمال، في مواجهة الأزمات، لن تؤدي لحلها فسرعة التدهور الحاصل، وشدته، لن يستطيع العامل بمفرده أن يلحق بها والحكومة غير مبالية، فما بال النقابات صامتة عن حكومة لم تخرج بقرار واحد -منذ تشكلها- يصب في مصلحة الطبقة العاملة الوطنية.