من الأرشيف العمالي: بين ميسلون وعربة غورو!

من الأرشيف العمالي: بين ميسلون وعربة غورو!

ثمة من يقول إن البرنامج الاقتصادي- الاجتماعي الواقعي الوحيد هو برنامج قوى السوق، متحدياً بذلك القوى الأخرى أن تطرح برنامجاً مفصلاً في مواجهة هذا البرنامج، ليصل إلى استنتاج بأنه لا مخرج إلا في الالتحاق بوصفة الليبرالية الجديدة، التي تعني في ظروف سورية، وإن كانت لا ترمي إلى خصخصة قطاع الدولة فوراً، بأن تتركه يموت كقدر محتوم لا مفر منه إذا ما أصر المجتمع والدولة على الحفاظ عليه، مهددة بذلك بإحجامها عن شرائه إذا تأخرت الدولة عن خصخصته، ومتصورة أنها هكذا تبتز الجميع للوصول إلى عقد إذعان كي تعجل بعملية تنفيذ برنامجها النهائي.

والحقيقة أنه في ظل الظروف العالمية والاقليمية الحالية، والتي تتميز باختلال ميزان القوى لمصلحة القطب المعادي للشعوب ومصالحها، يصبح البرنامج الوحيد البديل والمواجه لبرنامج قوى العولمة المحلية والخارجية هو البرنامج المقاوم والرادع لبرنامجها، هذا البرنامج الذي طالما تحدثنا عن مكوناته الأساسية ونقطة انطلاقه التي تبقى في اجتثاث جذور النهب البرجوازي الطفيلي والبرجوازي البيرقراطي، والتي لا يمكن دونها التفكير بأي نمو لاحق، وبأي تحسين لمستوى معيشة الجماهير الواسعة واللافت للنظر أن برنامج قوى السوق لا يطلب تعديلات جذرية وهيكلية فيما يخص النهب الكبير، وإنما جل ما يطلبه هو إعادة توزيع حصص النهب وتحويله من نهب غير مقنون إلى نهب مقنون لضمان حصصهم اللاحقة في ظل ضعف قواهم في جهاز الدولة الذي استفاد جزء صغير منه من هذه العملية على مدى العقود الماضية لذلك فإن مثال ونموذج يوسف العظمة في ميسلون يرتدي أهمية كبرى لأنه خرج إليها واثقاً من أنه يؤسس لفعل مقاوم سيؤثر على كل تاريخ سورية، وهو ما حدث فعلاً، إذ انطلقت الثورة السورية الكبرى بعد ذلك لتصبح سورية أول بلد يتحرر من الاستعمار الأجنبي بعد الحرب العالمية الثانية وهذا ليس مصادفة. وعلى النقيض كان برنامج التكيف مع الاحتلال القادم الذي أسس له بعض الذوات والأعيان والتجار بجر عربة غورو بعد كيلو مترات من موقع استشهاد يوسف العظمة وبعد فاصل زمني لا يتعدى الساعات، بالرغم من أن الأكثرية الساحقة من أبناء دمشق عمالاً وفلاحين وحرفيين وتجاراً كانوا في الطرف الآخر يستلهمون مثال يوسف العظمة فما أشبه اليوم بالبارحة، فالبرنامج المقاوم لا يحسب الربح والخسارة الآنية بل يحفظ الكرامة والنصر النهائي، أما البرنامج المتكيف «الواقعي» فيقوم بجر عربة العولمة المتوحشة عبر برنامجها الاقتصادي-الاجتماعي- الذي يدعي الديمقراطية والسعي إلى العدالة الاجتماعية وما هو في الواقع إلا رأس حربة للهجوم على الكرامة الوطنية، على السيادة الوطنية، على الاستقلال الوطني 

قاسيون العدد 204 ايلول 2003