اقتصاد الظل هل صحيح أنه دعم للاقتصاد الوطني!!
في ندوة حوارية اقتصادية بالتلفزيون السوري حول أداء حكومة الحلقي السابقة على الصعيد الاقتصادي ومستقبل الاقتصاد في سورية، تم استضافة باحث ومحلل ودكتور في الاقتصاد، وصل النقاش بين الثلاثة لمرحلة الجدل حين الحديث عن التخبط الاقتصادي والفساد والغلاء، بعد إصرار أحدهم أن «ما جعل السوق السورية آمنة والاقتصاد متماسك، الدور الأساسي الذي لعبه اقتصاد الظل في تأمين السلع وفي الاستقرار الاقتصادي». هذا الرأي الذي قوبل بالرفض من الضيف الثاني ولم يسمح له بالرد والتوضيح إلا ببعض الكلمات!!.
لا شك أن دكتور الاقتصاد الذي كان يدافع عن اقتصاد الظل، ويشيد بجهوده الكبيرة يحمل بعض الحقائق. طبعاً هو لا يتحدث عن الباعة الجوالين وأصحاب البسطات والأكشاك في البرامكة وشوارع دمشق، وفي المدن السورية الأخرى كافة، ولا يتحدث عن ورشات الخياطة ومعامل الراحة والبسكوت والشوكولا، وآلاف المعامل الأخرى غير المرخصة وتعمل في الظل وتفتقد إلى الحد الأدنى من السلامة المهنية، وتنتهك القوانين التي لا تنقذ كتشغيل الأطفال مع التهرب من حقوق العمال ومن الضرائب، وكافة الالتزامات القانونية، وإنما كان يتحدث عن أصحاب الرساميل الكبرى، وهو يعتقد أنهم نهبوا الاقتصاد الوطني خلال عقود عديدة بالسمسرة والمحاصصة والفساد من خلال شركات ومؤسسات القطاع العام. هو معجب بهؤلاء لأنهم الآن ومع الأحداث التي تجري في سورية استطاعوا إغراق السوق السورية بكافة أنواع السلع الأساسية وغير الأساسية، أو استطاعوا أيضاً دعم الاقتصاد الوطني من خلال ما يقدمون من معونات.
وأخرى متناسية..
نسيّ المحلل الاقتصاديّ أو تناسى بأن يسأل هذه الفئة التي يدافع عنها ويشيد بجهودها: من أين لكم هذا؟
هذه الفئة التي يشيد بدورها تضاعفت ثرواتها من خلال الاحتكار والاستيراد والتصدير والتهرب الضريبيّ، والمضاربة بالدولار وتهريب الأموال وشراء عقارات من مواطنين أصيبت بيوتهم بأضرار، وذلك بعقود إذعان وبمبالغ لا تذكر.
اقتصاد الظل هو الاقتصاد غير المنظم الذي كان يحتل في سنوات سابقة 40% من كامل الإنتاج الاقتصادي السوريّ، ويشكل العاملون فيه حوالي 45% من مجموع عمال سورية، والآن أصبح يحتل أكثر من 70% من الاقتصاد، وتم إهماله وكان على الحكومات السابقة اتخاذ إجراءات فعالة من أجل هذا الاقتصاد بتأهيله وتنظيمه إلا أن الحكومات السابقة لم يكن باستطاعتها اتخاذ أية خطوة تجاه هذا الاقتصاد لأن سدنة هذا الاقتصاد هم من الفئات المتنفذة في الدولة.
رأي العمال
بينما اتحاد العمال يشير في أدبياته ومؤتمراته إلى تواضع النتائج التي حققها القطاع الخاص، ولا سيما بعد عام 1991 أي في ظل القانون رقم 10 وتعديلاته قانون الاستثمار حيث أدى انسحاب الدولة التدريجيّ من الحياة الاقتصادية وترك المجال للقطاع الخاص لردم الفجوة إلى نتائج عكسية، وفشل في ردمها وارتفع معدل البطالة الناجم عن ضعف وتراجع حجم الاستثمارات العامة، وتواضع حجم الاستثمارات الخاصة، وانخفاض مستوى تنافسية المنتجات في القطاع الخاص بسبب سياسة الحماية التي تمتعت بها خلال العقود الماضية، وساد لدى القائمين على القطاع الخاص ثقافة البحث عن الربح السريع دون أخذ البعد القانوني والاجتماعي بعين الاعتبار.
وأين العمل؟
هكذا نجد بأن القطاع الخاص ليس قادراً، ولم يكن لديه القدرة في ظروفه وطبيعة رساميله وهياكلها ومصادرها على ردم الفجوة الاستثمارية، أو الوفاء بمتطلبات تحسين معدل الاستثمار؛ فكيف يمكن لمن نهبوا الاقتصاد الوطني وركبوا الخطط التنموية أن يؤدوا هذا الدور؟ طبعاً اتحاد العمال يتحدث هنا عن القطاع الخاص الوطني المنتج الذي يعمل علناً وليس في الظل، وأكثر التشريعات التي صدرت لمصلحته لم يستفد منها بالشكل الصحيح أو الكامل لبناء مؤسسات إنتاجية صناعية؛ بل استفادت منها الفئات الطفيلية من تجار وسماسرة، ولا نزال نتذكر منذ سنوات حين تحدث مسؤول في غرفة صناعة دمشق في ندوة اقتصادية قائلاً: «أمام الواقع الحالي علينا أن نغلق منشآتنا الصناعية، وأن نتحول إلى تجار سماسرة لأن أكثر ما يصدر عن الجهات الحكومية لمصلحة التجار والسماسرة ونحن أمامنا العقبات والضرائب».
السؤال: هل هذه الفئات التي تعمل في الظل، هي التي جعلت السوق السورية آمنة والاقتصاد متماسكاً؟ ربما يظن دكتور الاقتصاد بأن ما يقدم من قبل اصحاب النعم الحديثة من بعض هبات لجمعيات خيرية هو الذي جعل السوق السورية آمنة ومستقرة، أو قد نسي أو تناسى بأن ما يقدم وحصوصاً في هذه الظروف هو غسيل أموال لا أكثر ولا أقل مع تضاعف ثروتهم بظروف لا تمت إلى الأخلاق أو الوطنية بشيء!!.