المرأة العاملة وأزمة القوانين المجحفة
يكثر الحديث عن القضايا التي تتعلق بعمل المرأة ووجودها وقيادتها للعمل، ويتفاوت مدى هذا الحديث تبعاً للجهة التي تتناول هذه القضايا، فالبعض يرى بأن المرأة مجرد أن تكون عاملة قد حازت على حقوقها كاملة مقارنة ً مع الرجل، والبعض الآخر يتخذ موقفاً يناقض سابقه، فيرى المرأة خارج نطاق الحماية والاعتراف بالحقوق إذ أنها مضطهدة من صاحب العمل سواءً كان قطاعاً عاماً أو خاصاً ومسلوبة القرار في المنزل، وبين هذا الرأي وذاك، يذهب البعض إلى أن حقوق المرأة تحتاج إلى اعتراف أكبر وتطبيق أوسع حتى تلعب الدور المطلوب منها على أكمل وجه، مع غياب المدافع عن حقوقها.
بالرجوع لتاريخ وعمل الحركة النسائية السورية نجد نقاطاً ناصعة، والتجارب التي خاضتها وتخوضها السوريات تستحق الوقوف عندها ومتابعة تطورها منذ الاستقلال وحتى اللحظة؛ ومع ذلك دائما كانت تواجه بعض المعوقات التي تقف دون استكمالها لدورها كإنسان وكمواطن، ومنتج في الوقت ذاته. وعند الدخول والتمعن في تفاصيل وجزئيات القوانين السورية، بما فيها قوانين العمل التي تقر على مقاس الرجل، نجد الكثير من العقبات والتميز ضد المرأة، رغم إقرار الجميع أن العمل هو الركيزة الأساسية التي تساهم في بناء حياة الإنسان رجلاً كان أم مرأة، ويعتبر بمثابة الحاجة الملحة ليستطيع المرء العيش متوازناً اقتصاديا ونفسيا واجتماعياً، وهذه الحاجة مرتبطة بالرجل والمرأة على السواء، ومن غير المنطقي ونحن في القرن الواحد والعشرين ومازال البعض ينظر لعمل المرأة في مجتمعاتنا الشرقية امتيازاً وخروجاً عن المألوف، رغم ما تعانيه من صعوبات ومهام مضاعفة، حيث تعمل داخل المنزل وخارجه، إلى جانب الأدوار الأخرى التي تقوم بها كأم وزوجة، ناهيك نظرة الاستعلاء والتفوق من الرجل في العمل بكلا القطاعين العام والخاص معاً.
العمل غير اللائق
بما أن المرأة تشكل نصف المجتمع، فإنها بالتأكيد تشكل النصف الآخر أيضاً الذي يعاني من الظلم والاضطهاد، لذلك لم نعد بحاجة لأن نثبت دورها الفعال في مجال العمل، فهي تتسابق الآن مع الرجل في معترك الإنتاج والأعمال بكافة الاختصاصات رغم تأثير الأزمة العميق على حياتها. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل العمل الذي تقوم به المرأة في هذه الظروف يتلاءم مع طبيعتها «كأنثى»، من حيث نوع العمل، وعدد ساعات العمل؟!.
لقد انخفضت نسبة مساهمة المرأة السورية في سوق العمل خلال سنوات الأزمة بسبب أعمال العنف والنزوح والهجرة إلى 8% تقريباً بعد أن كانت تقدر قبل الأزمة بنحو 16% من مجموع القوة العاملة في سورية، وهي نسبة ليست بقليلة فعدم تقدم المرأة السورية اقتصاديا يعود لعوامل عديدة يجب تسليط الضوء عليها، وأخذ هذا الملف بجدية من الحكومة والجهات المعنية من أجل ايجاد حلول منطقية وسريعة لها تحديدا ظروف العمل غير اللائقة بالمرأة التي يعاني منها سوق العمل.
الاستقرار الوظيفي
وما زالت معدلات الأجور في القطاع الخاص منخفضة جدا، وحسب مؤشرات وتقارير وأبحاث صادرة عن بعض المهتمين بقضايا المرأة والعمل، فإن متوسط أجور العاملين الشهري في القطاع الخاص لا يتجاوز13 ألف ليرة. وتشير العديد من التقارير العمالية والحقوقية أن النساء العاملات في القطاع الخاص يتعرضن للعديد من الانتهاكات وتجاوزات مخالفة للإنسانية ولقانون العمل المجحف أصلاً في مواده، وتفيد التقارير ذاتها أن أعداداً كبيرة منهن يعملن لساعات أكثر من ثماني ساعات يومياً، ومحرومات من أي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي وحتى التسجيل في التأمينات الاجتماعية، وهناك أيضا أعداد كبيرة منهن يحصلن على أجور تقل كثيراً عن الحد الأدنى للأجور رغم قلته؛ ولا يتمتعن بالاستقرار الوظيفي وغيره من شروط العمل اللائق. ويجمع العديد من المدافعين عن حقوق المرأة أن عوامل عديدة ساهمت في انخفاض نسبة مشاركة المرأة السورية في سوق العمل في ظل الأزمة رغم أن نصف الأمهات السوريات أصبحن ربات المنزل، ومن أهمها التشريعات الخاصة بالعمل التي تعتبر غير مساندة للمرأة، لا بل طاردة لها.
تشريعات جديدة
إننا بحاجة إلى خطط واستراتيجيات فعلية قابلة للتنفيذ من أجل دعم المرأة، ورفع نسبة مشاركتها في سوق العمل، بالإضافة إلى توفير الخدمات مثل حضانة أطفال في أماكن العمل، وتعديل قوانين العمل من حيث الحد الأدنى للأجور ومساواتها بأجور الرجل، لأن انخفاض نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل يعد مشكلة حقيقية، ويجب الاهتمام بمعالجتها ومعرفة العوامل التي أدت إلى ذلك، والعمل على تصحيحها قبل أن تحدث كوارث اجتماعية لأنها أضحت المعيل الوحيد للكثير من العائلات السورية لأسباب كثيرة منها الاستشهاد أو الاعتقال أو الخطف.
إن مجرد الإقرار بالانخفاض يعد مؤشرا سيئاً في حق المرأة أولاً والاقتــــصاد ثانياً والنقابات العمالية والاتحادات النسائية ثالثاً، ويجب أخذه بعين الاعتبار، لأن الانخفاض يعود بالنهاية إلى عدم جدية وزارة العمل بالتعامل مع هذا الملف وأخذه على محمل الجد، ومن المعيب ونحن نعيش الألفية الثالثة نفكر بطريقة ذكورية مع وجود خجول للمرأة هنا وهناك، لذا لا بد من طرح تشريعات جديدة وتعديل القوانين بما يتناسب مع حقوق المرأة في مجال العمل، فهي بالنهاية نصف المجتمع ويجب الاهتمام بها كي نستطيع أن نخرج بمجتمع منتج لا مستهلك فقط من خلال مشاركتها في سوق العمل.