كفاح العامل السوري في سد الفجوة بين الدخل والمصروف!!
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن اقتصاد الظل الذي يعتبر نوعاً من النشاط الاقتصادي غير المنظم الذي لا يدخل ضمن الخطط الحكومية، ولا ضمن حسابات الناتج، ومعروف لدى جميع العاملين فيه أنهم توجهوا لنوع كهذا من العمل لأنه يعمل بمبدأ أكبر ربح ممكن أو أقل خسارة ممكنة.
لقد أكد الباحثون في دراساتهم أن من أهم أسباب انتشاره في سورية تراجع دور الدولة، وبالتالي عدم قدرة الاقتصاد الوطني على خلق فرص عمل للقادمين إلى سوق العمل بنسبة متزايدة، بالإضافة لانخفاض قيمة الدخل الحقيقي، مما يؤدي لحاجة من هم على رأس عملهم لسد الفجوة بين «الدخل والمصروف» والوضع أسوأ لمن هم عاطلون عن العمل، أو يتنقلون من عمل لآخر بحكم الفصل والصرف من الخدمة!!.
تشغيل صغار السن
إن حالة الركود الاقتصادي في المجتمع وخاصة في الريف سواء قبل حدوث الأزمة أو بعد استمرارها كل هذه المدة، لعبت دوراً كبيراً في زيادة معدلات الهجرة نحو المدينة في ظل عجز القطاعات الاقتصادية الأخرى عن استخدام وتشغيل هؤلاء القادمين، وخاصة للفئة العمرية بين (18 - 25) سنة، وكذلك رغبة هذا القطاع بتشغيل صغار السن لضعف رواتبهم وأجورهم، وبالتالي فإنه يشجع على زيادة التسرب من المدارس وخاصة أن المجتمع السوري مجتمع فتي...
وأن نسبة من هم دون سن الـ/19/ سنة يبلغ نسبة 51.2% من عدد سكان سورية، وأكدت الدراسات أن معدل الخصوبة عند العاملين بهذا القطاع مرتفع جداً، وهذا يفسر زيادة عدد أفراد الأسرة الواحدة، مما يزيد من ضغط الحياة اليومية وفيضطرون إلى البحث عن فرصة عمل في القطاع غير الرسمي.
تراجع هيبة الدولة
إن الوضع المادي لبعض العاملين في هذا القطاع يتطور مع الزمن، لأنهم يستفيدون من كل خدمات الدولة ولا يسددون أي التزام تجاه خزينتها، لتكون النتيجة اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء وزيادة التفاوت الاجتماعي التي يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات سياسية وتراجع هيبة الدولة، لأن أغلب العاملين في هذا القطاع لا يتمتعون بأي ضمانة اجتماعية أو اقتصادية مما يحولهم إلى أناس مهمشين بكل معنى الكلمة، ولاسيما أن أغلبهم يعمل في مجالات خطيرة من حيث ثقافة الشارع الهدامة في تعليمهم الأسوأ.
لذلك من الطبيعي أن يشكَّل وضع العاملين في هذا القطاع جيشاً من العاطلين عن العمل، وبالتالي يكونون عرضة لكل أنواع الضغوط التي تمارس عليهم من أرباب العمل، ولاسيما أنه لا يوجد قانون يحميهم أو يقونن رواتبهم وأجورهم، وإنما حسب «طبيعة العمل والعرض والطلب» إضافة إلى أنه لا يوجد من يمثلهم ويدافع عن حقوقهم في النقابات العمالية لعدم وجود أية نقابة تخص هذا المجال، فمن الجهة المسؤولة عنهم إذاً!!.
يعيق الخطط السنوية
إن الاقتصاد غير الرسمي يؤدي إلى عدم صحة البيانات والمعلومات اللازمة عند إعداد الخطط السنوية مثل (معدل البطالة - معدل التضخم - معدل الإعالة - الكتلة النقدية.. إلخ) ومن المعروف أنّه بمقدار ما تكون المعلومات دقيقة بمقدار ما تكون القرارات صائبة وواقعية، فهل من المنطقي أن يعيق هذا الاقتصاد كل ما تم ذكره ونقول إنه يلعب دوراً مهماً في الحياة الاقتصادية في ظل الأزمة؟!.
وإن كان ربط القضية صحيحاً من خلال السبب والنتيجة، فإن التوسع الأفقي والتكامل العمودي في القطاعين العام والخاص مع بقاء الأزمة لفترةٍ أطول لن يكون مجدياً من أجل زيادة إمكانية استيعاب اليد العاملة القادمة إلى سوق العمل، وتنظيمها وتدريبها لزيادة إنتاجها، وبالتالي زيادة الناتج الإجمالي الذي تحدث عنه بعض المسؤولين في تصريحاتهم الأخيرة، دون النظر في إعادة تحسين الرواتب والأجور في القطاع الرسمي، بما يضمن تحسين مستوى الدخل، ثم إن كان الأمر كذلك، لماذا لا تنظم الحكومة هذا الاقتصاد لكي يلعب الدور المطلوب منه أكثر؟!.
البطالة المقنعة
من أبسط السلع في هذا الاقتصاد (قوة العمل) والتناقض فيه أنه مجال خصب للغنى الفاحش والفقر المدقع، يضم شرائح متعددة سواء من حيث (العمر - الوضع الاجتماعي - الحالة التعليمية.. إلخ) إنه اقتصاد لا يخضع للرقابة الحكومية، ولا تدخل مدخلاته ومخرجاته في الحسابات الوطنية، فكيف أعطى نتائج إيجابية في الناتج الإجمالي، ألا تعلم الحكومة أنه يتهرب من كافة الاستحقاقات المترتبة عليه تجاه الدولة سواء كانت (رسوم أم ضرائب أم خطط أم تقديم بيانات.. إلخ) ويستفيد من أغلب الخدمات المقدمة لغيره من القطاعات وبكل أشكالها، والدليل ما يهدره من هدرٍ غير طبيعي في الكهرباء فالجميع يسرقها من أعمدة الإنارة في الشوارع وجسر الرئيس والبرامكة خير شاهد.
يؤدي وجود البطالة المقنعة كذلك إلى ظهور مثل هذا النوع من الاقتصاد. حيث أن وجودها يخلق لدى العاملين شعوراً بضعف طاقاتهم وإنتاجيتهم فيدفعهم ذلك إلى البحث عن فرص أخرى للعمل الإضافي يجدون بها ذواتهم ويستفيــــــدون منها مادياً ومعنوياً.
أخيراً إن كانت التصريحات الحكومية الأخيرة تبحث عن الحقيقة من خلال تأكيدها أن أنشطة الاقتصاد «الخفي» ليست كلها سلبية، حيث إن بعضها سلبي وبعضها الآخر إيجابي لكنه يبقى بعيدا عن سجلات الدولة وحساباتها وتقاريرها الاقتصادية، فإن من واجبها معالجة الحالة التي أصبحت بعشرات الآلاف، وشوارع دمشق أيضاً أينما ذهبت خير شاهد على ذلك، فهل سجلت أرقام العاملين فيه ضمن الإحصاءات الرسمية مع من خسروا أعمالهم ووظائفهم والتي قدرت حسب دراسة جديدة بأكثر من مليوني عامل؟!.