بصراحة : من يجر عربة غورو اليوم؟
الملحمة العظيمة التي سطرها الوطنيون السوريون بقيادة البطل يوسف العظمة في مواجهة قوات المستعمر الفرنسي، أظهرت إلى حد بعيد الروح الوطنية المقاومة للشعب السوري بمواجهة قوات الاحتلال الفرنسي بالرغم من علمه المسبق بموازين القوى العسكرية المختلة لمصلحة العدو
ولكن الإرادة القتالية لدى المقاومين السوريين بالدفاع عن وطنهم جعلتهم يخوضون معركة الشعب السوري حتى الاستشهاد في أرض المعركة كي لا يقال يوماً إن العدو المستعمر قد أحتل سورية دون مقاومة، وهذا القول فيه رسائل كثيرة للعدو أولاً بأن احتلاله لن يدوم طويلاً، وسيأتي اليوم الذي سيجبر فيه على الرحيل بفعل المقاومة الشعبية بمختلف أشكالها العسكرية منها والمدنية التي سيواجه بها من أغلبية الشعب السوري، والرسالة الأخرى كانت إشارة البدء بمقاومة قوات الاحتلال الفرنسي، الذي استلزم النزول إلى الشارع في معظم المدن السورية تعبيراً عن الرفض المطلق للاحتلال حيث مهدت المظاهرات الكبرى التي جرت البيئة الشعبية الحاضنة لانطلاق الثورة السورية الكبرى التي هي معلم من معالم النضال الوطني للشعب السوري، تجلت فيها الوحدة الوطنية كأحد العناصر الأساسية في المقاومة العسكرية، والشعبية، وفي النضال السياسي الذي خاضته القوى والأحزاب الوطنية والديمقراطية في مواجهة ما يطرحه المستعمر وأعوانه من مشاريع تبقي على احتلاله، يأتي في مقدمتها تقسيم المناطق على أساس طائفي يجري وفقها تفتيت البلاد.
واليوم يتبين وكأن التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى، ولكن بأشكال وطرق مختلفة عن لحظة دخول الاستعمار الفرنسي، التي قام فيها بعض السوريين ممن رأوا مصالحهم مع المستعمر بتقديم فروض الطاعة والولاء له من اللحظة الأولى لقدومه بأن جرُّوا العربة التي تحمل القائد العسكري لقوات الاحتلال«غورو» بدلاً من البغال التي كانت تجر العربة، فهذه الحادثة لها مدلول سياسي وطبقي، وإشارة واضحة لعمق المصالح المشتركة لقوى الرأسمال الإمبريالي الكبير، والصغير المتكون على هامش حركة الرأسمال الإمبريالي، وبالتالي لا ضير من جر العربة، أو ركوب ظهر دبابة الاحتلال أو اتباع سياسات اقتصادية أدت إلى إفقار الشعب السوري، وفتح البلاد على مصراعيها أمام حركة الرساميل التي لا تأتي إلاَ بقرار سياسي من المؤسسات المالية التي تتحكم بها الإمبريالية الأمريكية حيث تكون الرساميل ومواضع استثماراتها في خدمة مشاريعها السياسية في الهيمنة والسيطرة على الثروات والجغرافيا التي تؤمن لها الممرات الآمنة لإيصال الموارد المنهوبة من الشعوب.
كل الدلائل والدراسات الاقتصادية والسياسية تبين أن انفجار الأزمة الوطنية في سورية لم يكن وليد ساعة انفجارها،بل هو نتيجة لتراكم مواقف سياسية واقتصادية قام بها من أراد تحضير الحطب اللازم لانفجار الأزمة، وإحراق سورية من الداخل التي كان ومازال وقودها الفقراء والمهمشين والعاطلين عن العمل وهذه جريمة موصوفة بحق أغلبية الشعب السوري الذي يدفع فاتورتها الآن دماً وتهجيراً وخراباً لممتلكاته والأهم بهذا، أن الوطن برمته أصبح مهدداً بالتقسيم الطائفي والعشائري والقومي وهذه المكونات نفسها استخدمها الاستعمار الفرنسي كي يبقي على احتلاله، والآن يعود إلينا الاستعمار الإمبريالي الأمريكي والغربي بها مرةً أخرى للهدف نفسه التقسيمي القديم مستخدماً قوى الفساد الكبير في الداخل والخارج ممن لهم مصلحة مع العدو الإمبريالي في إدامة الأزمة، واستمرار نزيف الدم السوري، وعرقلة الحل السياسي الذي ينشده الشعب السوري في الخروج الآمن من الأزمة خروجاً يؤمن وحدة البلاد أرضاً وشعباً.
إن الشعب السوري العنيد بعماله وفلاحيه، ومثقفيه الوطنيين الذين قاوموا الاستعمار القديم بكل أشكاله، وألوانه، وأعوانه الذين جرُّوا العربة، وأنجز الاستقلال السياسي عن المحتل الفرنسي، سيقاوم كل المشاريع التفتيتية التي يطرحها العدو تحت شعار الحل السياسي الذي أُجبر على طرحه نتيجة للتوازنات الدولية الجديدة، وأزمته الداخلية المستعصية، مما يعني أن المعركة التي يخوضها الشعب السوري ستطول وستكون على مستويين الأول في مواجهة قوى الفساد الكبير جاري عربة الاستعمار الجديد، والآخر من أجل خلق سورية الجديدة الديمقراطية المقاومة.