بصراحة: الإعلام النقابي وقضايا العمال؟!
الأدوات التي تخاض بها المعركة الوطنية والطبقية الدائرة رحاها الآن متعددة، والإعلام أحد هذه الأدوات التي من خلاله ينفُذ إلى طبقات المجتمع.
ليحاول إعادة الاصطفاف مرة أخرى من أجل الحشد للمواقف والأهداف والبرامج التي يسعى من أجل تبنيها، والانحياز لها لتصبح الأفكار، والمفاهيم المطروحة قوة مادية تؤثر بمجرى الصراع الدائر، هذا ما فعله الإعلام المرتبط بالمشروع الإمبريالي والرجعي العربي في بداية الأزمة ومازال يلعب هذا الدور في ظل ضعف أداء الإعلام الوطني الذي كان مغلقاً أمام الطبقات الشعبية في التعبير عن الرأي، والدفاع عن مصالحها وحقوقها السياسية والاقتصادية التي جرى مصادرتها خلال عقود بفعل السياسات الليبرالية وانخفاض منسوب الحريات العامة مما أدى إلى عدم قدرة الإعلام الوطني على مجابهة الإعلام المعادي بوسائله المتطورة نفسها المؤثرة على القطاعات الشعبية الواسعة صاحبة المصلحة الحقيقية في الخروج الآمن من الأزمة الوطنية على أساس وحدة الوطن أرضاً وشعباً، وعلى أساس سورية الجديدة الديمقراطية، المقاومة للمشاريع الاستعمارية، وفي مقدمتها الكيان الصهيوني.
لقد استهدف الإعلام المعادي بالصوت والصورة المدروستين جيداً من الناحية الفنية والنفسية الحراك الشعبي الذي انطلق بمطالبه وحقوقه مستفيداَ إلى الحد الأقصى من الطريقة التي جرى التعامل فيها مع الحراك الشعبي حتى استطاع الإعلام المعادي أن يؤدي دوره المطلوب، والمطلوب هو استمرار نزيف الدم السوري، وإبقاء الأزمة مستعرة نارها دون ايجاد حلول حقيقية تُخرج شعبنا ووطننا من النفق المظلم الذي يريد لنا الأعداء البقاء فيه أطول فترة ممكنة، وحتى نستطيع الخروج من النفق لابد أن نطور أدواتنا في المجابهة، وهي ليست بالقليلة أو الضعيفة إذا ما استخدمت جيداً، ومنها الإعلام باتجاه المصالح الحقيقية للشعب السوري، وبهذا الخصوص فإن الإعلام النقابي لديه الإمكانيات الفعلية ليساهم من جانبه في المواجهة والدفاع عن حقوق ومصالح الطبقة العاملة السورية عبر استخدامه للأدوات الإعلامية التي تملكها الحركة النقابية مثل الموقع الإلكتروني وجريدة كفاح العمال الاشتراكي والبرنامج التلفزيوني، حيث يغلب على عملها الجانب السياسي الرسمي الذي تغطيه الوسائل الإعلامية الحكومية، والمفترض أن تكون الأدوات الإعلامية النقابية ذات طابع عمالي يعكس توجه، وموقف الحركة النقابية من المطالب العمالية وحقوقهم التي تُهاجم من قوى السوق، وقوى الفساد وتجرد العمال منها مستندين في ذلك إلى القوانين والتشريعات التي وضعتها تلك القوى بما يحقق مصالحها، والقضايا العمالية التي غابت عنها الوسائل الإعلامية النقابية كثيرة منها عمليات التسريح الواسعة للعمال على أساس المادة (136) تحت حجة مكافحة الفساد التي تم تطبيقها على من تحت فقط وتُرك الفاسدون الكبار يسرحون ويمرحون دون حساب أو عقاب، وأيضاً العمال المسرحون على أساس قانون العمل (17)، الذي تم بموجبه تسريح عشرات الألوف من العمال، حيث طرح العمال في القطاع الخاص ضرورة تعديله كي يكون قانوناً متوازناً في الحقوق والواجبات، والغياب الذي نقصده ليس الإشارة لما هو حادث فقط بل المقصود به كيف تصرفت قيادة الحركة النقابية تجاه ما تعرضت له الطبقة العاملة باعتبارها تمثل مصالحهم وحقوقهم ويقتنع العمال بحراكها كي يلتفوا حولها ليشكلوا معها وزناً ضاغطاً يستطيع انتزاع حقوقهم ممن يسلبهم إياها، والإعلام النقابي يستطيع إبراز تلك المواقف، ويظهرها للعلن بدل أن تبقى حبيسة الجدران.
إن الظرف الموضوعي بات جاهزاً كي تستطيع الحركة النقابية عبر الإعلام، وعلى الأرض، ومع العمال، الإنتقال من مرحلة الدفاع السلبي عن حقوق الطبقة العاملة السورية إلى الهجوم على مراكز قوى الفساد الكبير الساعية حالياً للاستفادة القصوى من ظروف الأزمة حتى توسع عمليات نهبها، وتقف عائقاً في وجه القوى الوطنية الساعية لإيجاد مخارج سياسية للأزمة عبر الحوار بين مكونات الشعب السوري السياسية، وبهذا السياق كان توجه قيادة الحركة النقابية في توسيع دائرة الحوار السياسي وإشراك الحركة العمالية بهذا الحوار بالاستفادة من اللقاءات المباشرة مع العمال في المراكز الانتاجية، ومن انعقاد المؤتمرات النقابية السنوية، ولكن بالرغم من هذا التوجه فإن المؤتمرات التي عقدت إلى هذه اللحظة لم تلحظ توجه قيادة الحركة النقابية بخصوص أن تكون النقطة الأولى، والرئيسية على جدول أعمال المؤتمرات الحوار الذي من المفترض أن تُسمع فيه الأراء بكل صراحة دون قيد أو شرط وهذا إن تم فإن الحركة النقابية تكون قد فتحت الباب على مصراعية من أجل استبدال لغة الرصاص بلغة الحوار الذي فيه خير سورية، والشعب السوري.