بصراحة:   التعددية النقابية.. كلام باطل!

بصراحة: التعددية النقابية.. كلام باطل!

 كثر الجدل بين النخب النقابية والسياسية في الوطن العربي، خاصةً في مصر وتونس، حول قضيتين هامتين ستحددان مستقبل الحركة النقابية العربية من حيث فاعليتها وقدرتها على قيادة الحركة العمالية لخوض الصراع الاقتصادي والسياسي في مواجهة القوى الليبرالية الجديدة، وهما:

1- هل التعددية النقابية تحقق الديمقراطية للحركة العمالية، وتطلق قواها في الدفاع عن حقوقها السياسية والاقتصادية في ظل الهجوم الرأسمالي الإمبريالي على منطقتنا ليخرج من أزمته الاقتصادية العميقة؟

2- هل الحركة النقابية العربية بوضعها الراهن تمكنت من قيادة الحركة العمالية باتجاه مطالبها الأساسية، أم هي من البناء السياسي والقمعي للأنظمة في مواجهة تصاعد وتنامي النضال العمالي؟

إن الحركة النقابية في البلدان العربية ليست متماثلة من حيث النشأة والتكوين والفاعلية، فهي متمايزة بسبب الظروف السياسية والتطور الاقتصادي المتفاوت الذي مرت به البلدان العربية، وكذلك بسبب عدم وجود قوى سياسية فاعلة في معظم البلدان العربية تتبنى وتناضل إلى جانب الطبقة العاملة في دفاعها عن حقوقها ومطالبها الاقتصادية والسياسية، وبالتالي فإن الحركة النقابية العربية - وفقاً لما ذكرنا- قد تطورت تطوراً متفاوتاً، وتكونت خبراتها وتجاربها وإمكانات مناضليها تبعاً لخصوصية كل بلد، والنظام السياسي السائد فيه، فقد تمت صياغة القوانين التي تعمل وفقها الحركة النقابية والعمالية بما ينسجم ومصالح الطبقة المهيمنة بالشكل العام.

فمثلاً في مصر صدر أول قانون للتنظيم النقابي في عهد وزارة الوفد، وهو القانون رقم /85/ لعام 1942، في ظل الاحتلال البريطاني لمصر، وبقي سارياً حتى ثورة عام 1952، حيث جرى بُعيدها تقديم صياغة جديدة للعمل النقابي وفقاً للتوجه السياسي الجديد وشعاراته (الاشتراكية) التي طرحها، فقد انتفى القانون القديم وحل محله قانون جديد أطّر الحركة النقابية، وحد من إمكانية تطورها الطبيعي وألحقها بالنظام، وجعل تحقيق مطالبها مرهوناً بما يقدمه لها النظام الجديد، بما في ذلك قياداتها وكوادرها التي انسجم مصالح الكثير منها مع آلية العمل الجديدة، ومن بقي معارضاً لهذا التوجه دخل السجون، واستشهد البعض منهم لأنهم رأوا فيما يطرح ويمارس على الأرض خطراً حقيقياً على مستقبل الحركة النقابية ودورها المستقل في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة المصرية.

وفي سورية لم يختلف الوضع كثيراً عما جرى في مصر من حيث احتواء الحركة النقابية بقوانين منعت عنها تطورها في أن تكون حركة نقابية مستقلة في موقفها وخطها ورؤيتها، فقد جرى تكبيلها بالقوانين التي صدرت، وكان أولها القانون /31/ عام 1964، الذي شرّع تعيين معظم القيادات النقابية تعييناً، وصدر بعدها القانون /84/ لعام 1968 المعدل للقانون السابق، الذي وإن نص على مبدأ الانتخابات لكل المستويات النقابية، ولكن كان ذلك نصاً شكلياً لم يحقق التفاعل المطلوب بين الحركة النقابية والحركة العمالية، خاصة مع تنامي المطالب العمالية في مواجهة السياسات الليبرالية التي شنت هجوماً واسع النطاق على مكاسب العمال، سواء كان في مصر أم في سورية أم في تونس، مما جعل الحركة النقابية في وضع لا تحسد عليه، فأضحت لا هي قادرة على الاستجابة للمطالبة العمالية والدفاع عن حقوقها ومكاسبها، ولا هي قادرة على مواجهة السياسات الليبرالية التي انتهكت تلك الحقوق وجردت العمال من مكاسبهم.

إن هذا الوضع المعقد قد جعل الكثير من الأصوات تعلو مطالبة بإيجاد بدائل عما هو قائم، بدائل تستطيع قيادة الحركة العمالية، وذلك من خلال تأسيس اتحادات نقابية جديدة أسوةً بما هو قائم في أوروبا، على اعتبار أن هذا يؤمن الديمقراطية للحركة النقابية ويجعلها قادرة على الحركة خارج الأطر الرسمية، ويمكنها أيضاً من تقديم خدمات أفضل للعمال من خلال تنافس الاتحادات (الجديدة) المنوي إنشاؤها.

إن هذا الطرح يحمل في طياته خطراً أشد من خطر الاحتواء لأن في هذا تفتيتاً للحركة النقابية والحركة العمالية، ويجعل إمكانية دفاعها عن حقوقها أكثر تعقيداً، كما أنه يسهل على القوى الليبرالية الجديدة احتواء أقسام من هذه الحركة كما هو جار في أوروبا، حيث استطاعت القوى الرأسمالية احتواء الكثير من الاتحادات النقابية التي ساومت على حقوق العمال الأساسية، وخاصة مبدأ زيادة الأجور، وما نلاحظه ونشاهده الآن من حراك واسع للنقابات في أوروبا وأمريكا في مواجهة السياسات الاقتصادية والانهيار الاقتصادي الجاري على قدم وساق، هو بكل المعاني خارج الأطر النقابية التي كان مبدؤها الوفاق الطبقي الذي رعته وشجعت عليه منظمة العمل الدولية، التي تسعى الآن بشكل حثيث لتعميمه على منطقتنا، والذي لقي آذاناً صاغية في مصر ولبنان وتونس والمغرب... ويبدو أن الحبل على الجرار.

إن وحدة الطبقة العاملة وحركتها النقابية في إطار تنظيمي كفاحي ومستقل بحيث لا تكون سيفاً بيد السلطة التنفيذية على حقوق العمال، بل تصبح سيفاً بيد الطبقة العاملة، هو أمر أساسي جداً، وهو من سيؤمن فرصاً أكبر للنجاح في تحصيل وانتزاع الحقوق السياسية والاقتصادية للطبقة العاملة، عبر التفاعل الحقيقي مع قوى الطبقة العاملة التي هي الضمانة الأساسية للتقدم نحو الأهداف الأساسية التي ناضل من أجلها العمال والشخصيات النقابية والقادة العماليون الأوائل، والتي سيتابعها كل النقابيين الشرفاء الذين يرون في وحدة الطبقة العاملة وحركتها النقابية القوة الضاربة خطاً أحمر وعنصراً أساسياً في الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة، والحقوق العامة، والقضايا الوطنية الكبرى