إضرابات عمال مصر تناقض المشهد الاستقطابي..
لم يعد مشهد العمال المضربين جديداً، ولكنه مع ذلك ما زال يثير المفاجأة، الموجة التي اجتاحت مصر في شهر شباط ليست فحسب واحدة من حلقات التحركات العمالية المتصاعدة في البلاد منذ سنوات، بل هي تمثل تطوراً هاماً في هذا المجال، فقد شملت الإضرابات شركات الغزل والنسيج والنقل العام، والبريد وعمال الطرق والكباري (الجسور) والأطباء والصيادلة وجمع القمامة، وعدداً آخر من الشركات والمصانع... ما يقرب من 250 ألف عامل أضربوا عن العمل في أقل من شهر، العدد ضخم في حد ذاته، والتي تجعل أي احتجاج أو معارضة للسلطة محل شبهة أو اتهام بدعم جماعة الإخوان وحلفائها
المطالب التي رفعها العمال خلال الإضرابات كانت تحمل دلالة هامة، أهمها كان تطبيق الحد الأدنى للأجور على القطاعات التي لم يشملها قرار الحكومة، وإقالة المسؤولين الفاسدين من وجهة نظر العمال، وإعادة الشركة المخصخصة التي حكم القضاء بعودتها بعد ثبوت الفساد في صفقات بيعها، إنها المرة الأولى التي يحتشد فيها هذا العدد من العمال في إضرابات للضغط من أجل تنفيذها، وهي ارتبطت بدرجة أعلى من التنظيم في الحركة لجهة التنسيق والتضامن بين المواقع المختلفة، مما هو جديدٌ أيضاً.
إن اتجاه الحكومة لعقد مفاوضات مع العمال بدا كمحاولة لامتصاص الحركة، وليس للبحث عن حلول وفي كل مرة، جلس العمال للتفاوض مع وزير القوى العاملة وإبرام اتفاقات، تكون المفاجأة بتنصل وزير الاستثمار من الاتفاق، ما يزعزع الثقة في آلية التفاوض نفسها مع الحكومة، التي اتجهت الى استخدام خطاب ديماغوجي وشعبوي يطالب العمال والفقراء بالصبر والتضحية من أجل الوطن.
المؤشرات توضح أيضاً أن أوضاع العمال من حيث الاستقرار في العمل والضمان الاجتماعي قد تراجعت، حيث تصاعدت مؤشرات الفقر والبطالة وتدنّي الأجور تدفع في اتجاه المزيد من الصعود في الحركة العمالية، والمفارقة أن مطلب الحد الأدنى للأجور الذي رفعته إضرابات العمال جاء عقب قرار حكومة الببلاوي بتطبيق الحد الأدنى للأجور على نحو مشوّه وغير مدروس فتسبب في الإطاحة بها.
إن دخول مئات الآلاف من العمال في إضرابات، كان سمة مشتركة في ظل حكم مبارك والمجلس العسكري ومرسي ويوليو الحالية، وطريقة تعامل تلك السلطات الأربع مع الحركة العمالية لم تتغير!!.