في مشاريع إصلاح القطاع العام.. العودة إلى نقطة الصفر!
نزار عادلة نزار عادلة

في مشاريع إصلاح القطاع العام.. العودة إلى نقطة الصفر!

تعتبر الصناعة النسيجية في سورية من الصناعات العريقة، ويقال إن أول نول يدوي عرف في مدينة دمشق، وتشتمل الصناعات النسيجية على جميع العمليات الهادفة إلى تحويل الألياف والشعيرات إلى خيوط لإنتاج سلع أو منتجات تستخدم في أغراض الحياة المختلفة، مثل أقمشة الملابس بأنواعها، والأغطية والسجاد وغيرها، وقد تطورت هذه الصناعة فشملت الآلة والإنتاج، وظهرت إلى جانبها صناعة الحياكة (التريكو) والقماش غير المنسوج التي تختلف اختلافاً كليّاً عن أنواع النسيج العادي المعروف.

 كانت الأجواخ التي تنتجها شركات الدبس والحديثة ودياب تضاهي الأجواخ الانكليزية بل وتتفوق عليها، ومن المعروف أن ثوب الملكة اليزابيث في زفافها كان من صنع محمد أيوب الشيخاني، وحصل هذا النساج السوري على جوائز في عواصم عديدة.

 المحزن المبكي

في العقود الماضية رصدت استثمارات كبيرة للاستبدال والتجديد والتوسع، ورغم ذلك ما تزال في سورية شركات تضم آلات من عام 1937، كشركة مصابغ حمص، وحتى الآن الاستبدال والتجديد لم ينعكس على جودة المنتج وانخفاض التكلفة، إن واقع هذه الصناعة إلى الآن محزن ويدعو للأسف والحسرة وإلى الغصة، من هنا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف تراجعت هذه الصناعة، رغم إقامة العديد من المعامل والشركات في الثمانينيات وبلغ عددها 27 شركة في الغزل والنسيج وحده؟؟!!.

إن الوقائع تؤكد أن الخلل الإداري، وإخضاع هذه الشركات إلى قوانين وأنظمة ومؤسسات وجهات وصائية عديدة، أعاقت تطورها كالعقود والمناقصات ومشاكل الاستيراد والتصدير والروتين، وقد خلق هذا الواقع مناخاً خصباً لهوامش الأرباح والعمولات والفساد، والتخريب المتعمد من إدارات عديدة تواكبت على هذا القطاع، جاءت بطرق غير مشروعة لتوصله إلى ما آل إليه وتركه لمصيره.

قامت الحكومة في العام 2005 بوضع مشروع لإصلاح القطاع العام الصناعي لكنها فشلت، وفي العام 2007 شكلت لجنة أخرى لوضع مشروع قانون لإصلاح القطاع العام الصناعي شارك فيها ممثل عن اتحاد العام لنقابات العمال، وبالتواكب مع هذه اللجنة شكل رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للصناعات النسيجية لجنة لدراسة واقع الشركات النسيجية، مهمتها إعداد الدراسات الميدانية للشركات المتعثرة، ووضع الحلول والمقترحات لتجاوز العقبات، وتحسين أوضاعها تمهيداً لاتخاذ القرارات المناسبة، ورفعها إلى وزير الصناعة، ومن ثم لرئاسة الوزراء ومن ثم إلى اللجنة الاقتصادية.

 

ماذا أعطت اللجنة؟

اللجنة رصدت الواقع ووضعت الحلول، ولكن جميع قراراتها ذهبت هباءً، ولم تطبق وتنفذ، وطرحت وقتها عشرات المشاريع الأخرى، وجميعها لم تكن بأحسن حال، الاتحاد العام أوضح تلك «الصيغ العائمة والمتناقضة التي جاءت بها المشاريع جعلت الإصلاح غير محدد الهوية والمعالم، تارة تهدف عملية الإصلاح إلى تسريع عملية الانفتاح الاقتصادية، ورهن عملية التنمية بآليات السوق، وتارة أخرى تؤكد البرامج على الدور الفاعل للدولة والدور الرائد للقطاع العام، ووحدة وشمولية الموازنة العامة... إلى غير ذلك من التناقضات»

 

حقل تجارب

ستة وزراء تواكبوا على وزارة الصناعة في السنوات القليلة الماضية ولم تحسم الخيارات أو تتخذ القرارات أو تتحدد الملامح المستقبلية، لأن جميع الطروحات التي قدمت من (الانفتاح، التعددية الاقتصادية، الإدارة بالأهداف، فصل الإدارة عن الملكية، الإصلاح الإداري، والاقتصادي، والسياسي..) توجت بالفشل.

رئيس الاتحاد المهني للغزل والنسيج يقول: «قطاع الغزل والنسيج بحاجة إلى أربعة مليارات ل.س فقط، لإصلاح هذا القطاع ونقله من واقع الانهيار الحالي، مثلاً الشركة العامة لصناعة الصوف والسجاد، بحاجة إلى أربعة أنوال حديثة لأن الآلات الموجودة عمرها 70 سنة، والخماسية إنتاجها نمطي ومخازنيها بلغت مليار و400 مليون ل.س، والشركة العربية المتحدة للصناعة الدبس نسبة تنفيذ الخطة الإنتاجية 49%، والمغازل والمناسج 44%، وشركة الصناعات الحديثة 48%، وإنتاجها لسلك الشرطة وشركة الشرق للألبسة الداخلية نسبة التنفيذ 40%، والسورية للغزل في حلب نسب التنفيذ 66%».

 

مشاكل بالجملة للقطاع النسيجي

تتلخص معظم مشاكل القطاع النسيجي بما يلي:

نقص في عمال الإنتاج.

المخازين.

التشابكات المالية.

نقص عمال الإنتاج ودوران اليد العاملة مشكلة أساسية في قطاع صناعة الغزل والنسيج.

المخازين مشكلة أساسية وهي بالمليارات مودعة في المستودعات ونطالب بزيادة الإنتاج.

التشابكات المالية بين شركات الغزل والنسيج ومع القطاع الخاص ومع جهات حكومية.

مع التأكيد أن الجهات الوصائية عاجزة عن اتخاذ أي قرار فاعل في حل هذه القضايا الثلاث، بينما تتحدث يومياً عن الإصلاح، فمنذ 10 سنوات والحكومة تطرح موضوع الفائض من اليد العاملة، والوقائع تقول أن كل شركات القطاع العام الصناعي وخصوصاً الغزل والنسيج تعاني من النقص في اليد العاملة بمواقع الإنتاج وذلك بسبب تسرب اليد العاملة الخبيرة في السنوات الأخيرة، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن عدد العمال الذين تركوا العمل في شركة الصناعات الحديثة منذ عام 2007 وحتى عام 2010، بلغ 382 عاملاً رواتبهم تقدر بــ 25 مليون ل.س، وفي السورية للغزل في حلب بلغ عدد الذين تركوا العمل خلال أربع سنوات 115 عاملاً، رواتبهم 27 مليون ل.س، وفي شركة الشرق للألبسة الداخلية العمال الذين تركوا العمل خلال أربع سنوات 162 عاملاً رواتبهم 38.880 مليون ل.س، والسؤال المر هو: أين هذه الأموال، وفي أية جيوب وضعت؟؟!!..إنها بصريح العبارة ذهبت في منافذ الفساد، قولاً واحداً!!