بعض العمال المسرحين يقعون في براثن التسول.. والأزمة إلى تفاقم!
ماهر فرج ماهر فرج

بعض العمال المسرحين يقعون في براثن التسول.. والأزمة إلى تفاقم!

دمشق التي كانت بالأمس القريب تحنو على جميع أبنائها، وتحتضن بين جدران أزقتها الفقير والغني وصاحب الدخل المحدود، وكان المعوز فيها يجد على أقل تقدير ثمن رغيف الخبز الذي يقيه ذل السؤال، وغرفة تحميه وأطفاله من برد الشتاء.. دمشق التي كان أصحاب الدخل المتوسط فيها ينامون دون أن يخافوا من غدهم، وكان أصحاب الدخل المحدود قادرين على الصمود في وجه ظروف الحياة المعيشية الصعبة رغم ضعف إمكانياتهم المادية..

 دمشقنفسها،باتتاليومعاجزةعنحفظماءوجهالفقيرفيها،أوحمايةأصحابالدخلالمتوسطمنالانزلاقإلىمادونمستوىخطالفقر،وذلكبسببالسياساتالاقتصاديةالتياتبعتهاالحكوماتالتيتعاقبتعلىسوريةفيالعقودالأخيرة،وخصوصاالحكومةالسابقة،التيوضعتمصلحةأصحابرؤوسالأموالوالمستثمرينفوقمصلحةعمومالمواطنين،مماساهمفيتزايدنسبالبطالة،والفقر،وارتفاعالأسعارإلىدرجةلميعدمعهاالمواطنالبسيطقادراًعلىمجاراة  هذهالمتغيراتالاقتصادية،الأمرالذييمكناعتبارهمنأهمالأسبابالتيأدتإلىاشتعالشرارةالحراكالشعبيالذيانتفضليطالببحقوقهالمشروعةالتيدأبالمسوؤلونفيسوريةعلىتجاهلهامماأدخلالبلادفيأزمةزادتالأعباءالاقتصاديةعلىالسوريين،وسطمناطحاتالسياسيينالمؤيدينوالمعارضين،الذينحولوابمعظمهمسوريةإلىوطنٍلمئاتالآلافمنالمتسولين،الذينيجوبونشوارعهابحثاعنثمنرغيفخبز..

إنتسليطالضوءعلىماآلتإليهحالةالسوريينفيظلالأزمة،يضعناأمامحقائقمرعبة.. وخصوصاًبروزظاهرةالتسولوتفاقمها..

 

نسبالفقرفيسورية

أجرىبرنامجالأممالمتحدةالإنمائي،بالاشتراكمعهيئةتخطيطالدولةوالمكتبالمركزيللإحصاءفيسوريةفيعام  2004 دراسةبهدفإحصاءنسبالفقرفيسورية،وتوصلحينهاإلىنتيجةمفادهاأننسبةالفقرفيسوريةبحدود 11.4 % استناداًإلىخطالفقرالأدنى. وتزدادهذهالنسبةلتصلإلى 30.1% منعددالسكانعندمايتماستخدامخطالفقرالأعلى،حيثيمثلون 5.3 ملايينشخص.

خمسةملايينفقيرفيعام 2004،أيقبلأنتندفعالبلادنحوالأسوأجراءالقرارات (الليبرالية) والخطط (الاجتماعية) التياتبعتهاالحكومةالسابقة،وقبلظهورموجةغلاءالأسعارالتيشهدتهاالبلادفيالأعوامالثلاثةالأخيرة،والتيلميجرفيهاأيإحصاءحقيقيلمعرفةتطورنسبةالفقر،إلاأنالأزمةالتيتمربهاالبلادفضحتانزلاقمعظمالشرائحالوسطىإلىمادونخطالفقر،وانقسام  المجتمعالسوريإلىطبقتين (فقيرةجداًأوغنيةجداً)،وهومايُرىبالعينالمجردة،فإذااعتبرنا (علىأقلتقدير) أنالعددتضاعفمثلاً،فستكوننسبةالفقرقدوصلتإلى (10) ملايينشخصكحدأدنى،يقبعونتحتخطالفقر،منأصل (24) مليونسوريتقريباً.

 

صندوقالإعانةالاجتماعية

رغمإنشاءمايعرفبصندوقالإعانةالاجتماعيةفيسوريةوقيامهبدراساتعنمستوىالمعيشةفيسورية،وتقديمهعلىأساسهامعوناتمادية  للمواطنين،إلاأنظاهرةالتسولفيالسوريةظلتفيتزايدكبير،واللافتفيالأمرأنالتسوللميعدمقتصراًعلىذلكالشخصالأشعثوالأغبرالممزقالثياب،بلبتنانرى (متسولينمحتاجين) حقاًكانوافيمامضىمحسوبينعلىمتوسطيالحال،خصوصافيظلماسمعناهفيبدايةعملالصندوقعنالآليةالمتبعةفيتقديرمنيستحقومنلايستحقالمعونةالاجتماعية،والتيقيلفيهاإنهاتمتدونإجراءدراساتتقديريةمدروسة،وهوماتسبببفوضىكبيرة،بحيثأنعائلاتلاتستحقالمعونةحصلتعلىمعونةمنالدرجةالأولى (12 ألفل.س) وعائلاتمعدومةاقتصادياًاعتبرتغيرمستحقةأومنالأقلاستحقاقاً،مماأبرزبعضامنمظاهرالفسادالمتفشيفيمثلهذهالهيئاتالحكومية،والتيتعتمدعلىالواسطةوالمحسوبيةحتىفيمنحالمتقدمللإعانةالاجتماعية،وهذاربمايفسرلجوءقسمملحوظمنالفقراءفيسوريةإلىالتسولبدلالدخولفيالروتينوالمعاملاتالتيلاتغنيمنجوعفينهايةالأمرعلىالغالب.

 

نحوالتسول!

إنالأزمةالتيتشهدهاسوريةحالياأدتإلىزيادةكبيرةفيأسعارالمنتجاتالأساسيةالتييحتاجهاالمواطنفيحياتهاليومية،وأحياناًفقدانها،أوعدمتوفرهاإلابأسعارمضاعفةعماوصلتإليه.. منجهةثانيةراحالكثيرمنالمواطنينيفقدونعملهمنتيجةلجوءأربابالعملفيكثيرمنالمنشآتالصناعيةالخاصةإلىالتسريحالتعسفيللعمالوالموظفين،بسببتراجعالطلبعلىالمنتجاتالاستهلاكيةالتيينتجونها،ماأدىإلىإفلاسبعضالشركاتوإغلاقها،أماالشركاتالتيلاتزالتعمل،فعمدتإلىتخفيضالأجورلتفاديالنفقاتالماليةالكبيرةالتيلمتعدتستطيعتحملهافيظلضعفالطلبوارتفاعكلفالتشغيلوالإنتاج.. كلهذاأدىإلىتفاقمظاهرةالتسولبشكلكبير،نتيجةعدموجودسبلللحياةالكريمة.

         

صورحقيقيةفيدمشق

(أمأيهم)،سيدةلايبدوعليهاأيمظهرمنمظاهرالتسولالكلاسيكيةالتياعتدناعليهافيهيئةالمتسول،وهيإحدىالحالاتالكثيرةالتيبتنانصادفهايومياًفيشوارعدمشقوالتيتضعناأمامعددمنإشاراتالاستفهام...

تقول (أمأيهم): أنالمأكنمتسولة،لكنالظروفالصعبةالتيتعيشهابلادناكانتالسببفيفقدانعمليفيمشغلالخياطة،بعدأنقررصاحبالعملتقليصعددعمالهبحجةعدمقدرتهعلىدفعأجورعماله،وبأنالطلبعلىالبضائعقدقل،وأناأملثلاثبناتصغارليسلهممعيلغيريبعدوفاةزوجي.. ضاقتبيالسبلوأغلقتفيوجهيكلمصادرالرزق،فلمأجدأماميسوىالنزولإلىالشارعواستجداءعطفالناسلعليأحصلعلىبعضالمساعداتالتيتسدرمقأطفالي.

لاتنكر (أمأيهم) صعوبةالأمرعليهافيالبداية،لكنالأصعببالنسبةلهاكانرؤيةأطفالهايجلسونفيبيتباردلايوجدرغيفخبز.. تضيفأمأيهم: (شوجابركعلىالمرغيرالأمر)..

(أبوعلاء) كانمنذعامتقريباًيحسبعلىمنيعتبرونأصحابدخلمقبولقبلأنينزلقإلىمادونخطالفقربعدأنفقدعملهلنفسالسببالذيذكرناهفيحالةمع (أمأيهم).. يقول (أبوعلاء): منذعامكنتميسورالحالقادراًعلىإعالةأسرتيالمكونةمنأربعةأطفال،قبلأنيقررصاحبالعملتخفيضعددالعمالبذريعةضعفالطلبعلىمنتجاته،وبماأنظروفالبلدصعبة،كانمنالمستحيلعليإيجادعمليحفظكرامتيويعيلأسرتي،فلمأجدأماميسوىالتسول. كثيرمنالناسلاحظواأنمظهريلايدلعلىأنيمتسول،وبعضهمأبدىاستغرابهبصمت،وبعضهمأبداهمنخلالالسؤالالذيكانجوابهيشعرنيبالذلوالخجلمننفسي،لكنماالفائدةمنالحفاظعلىعزةنفسيإذاكانأطفاليسيناموندونطعام،ماالفائدةمنكرامتيإنلمأستطعأنأوفرلهمحياةكريمة؟!

الطفلة (هبة): عمرها (10) سنوات  تجلسعلىأحدالجسورفيمدينةدمشقيومياً،علالناسيعطونهابعضالمالحتىتساعدأمهاالتيأجبرتهاالظروفعلىتركابنتهاتجولفيالشوارعلتتسولالعشرليرات..

تقول (أمهبة): وضعناالماديعدم،وزوجيعاجزغيرقادرٍعلىالعمل،وأناكنتأعملفيأحدالمعاملالصغيرةقبلأنيعلنصاحبالمعملإفلاسه،فلمأجدأماميسوىالتسول،لأنماأحصلعليهلايكفيناقوتيومنا،ونحنبحاجةللمازوتوالغازوالطعامواللباسفقررتإنزالابنتيمعيلتتسول،فالأطفاليؤثرونفيالناسأكثر. أعرفأننيأحمّلابنتيفوقطاقتها،واستغلطفولتها،لكنالحياةلاترحم.

الحجة (أممروان) تبلغمنالعمر(65) عاماً،تعيشدونمعيلبعدوفاةزوجهاالعاملالبسيطفيالقطاعالخاص،عزةنفسهالمتسمحلهابأنتتسول،بللجأتإلىحملعددمنقطعالبسكويتوالتجولبهافيالشارعمنأجلبيعهابرأسمالقدره (25) ل.سيومياً.

تقول (أممروان): أناأتظاهرببيعهذهالقطع،لكنالحقيقةأنالاأختلفعنالمتسولينفيشيءفالبعضيدفعليثمنإحدىقطعالبسكويتدونأن  يأخذهامني. فمارأيكم؟أأختلفعنالمتسولينفيشيء؟.

تقدمتإلىصندوقالتأمينالاجتماعي،لكنللأسفلميحالفنيالحظ،ففيالمرتينالأولىوالثانيةتبينللمعنيينأننيغيرمستحقةكوناسميلميظهرفيقائمةالمستحقين،دونأنيسألعنوضعيأيشخصمنوزارةالشؤونالاجتماعيةوالعمل،فإنكانتعجوزبمثلوضعيلاتستحقالإعانةفمنيستحقها؟

 (أ،ع): فقدعملهفيإحدى  ورشاتالخياطةللأسبابذاتهاالتيسبقذكرها،وهوالمعيلالوحيدلأبويهالطاعنينفيالسن.. يقول: بعدأنفقدتالأملفيإيجادعمل،وبعدنفدمنزلنامنالمالومنجميعماكنانختزنهمنأغذية،والأدويةالمطلوبةلوالدي،لمأجدأماميسوىالتسول،فأناأخرجيومياًمنالصباحإلىآخرالنهار،وأتظاهربالدروشة،وبأنيعاجزبإخفاءإحدىقدميداخلالسروالعليأستجديعطفالناس،ويعطوننيماتيسرلهمحتىأستطيعتأمينمصاريفلوالديالعجوزين. أناشابقويوقادرعلىالعمل،ولكنأينسأجدعملاًفيهذهالظروفالتييطردفيهايومياًمئاتالعمال؟

 أعرفبأنماأقومبههوغشوخداع،لكنالحاجةوالعجزأصعب.. أتعرضللكثيرمنالذلوالإحراجوعباراتالاستهجانمنالناسالذينيقولونلي: «اذهبواعمل»،وكأنهمليسوامنهذهالبلد.

 

ماالعمل؟

للأسفهذاماآلتإليهحالالكثيرينمنالعاطلينوالمعطلينعنالعملفيسورية،  وهميعيشونظروفاًغايةفيالصعوبةكمارأينا.. فمنالمسؤولعنهذاالخراب؟هذاالسؤالمنالمهمالإجابةعليهإذاكناحقاًنودونأملأنتتجاوزالبلادالمحنةالتيتمربها.. مععلمناأنالجوابصعب،لكثرةالأسبابوتشعبهاوتداخلهافيمابينها