بصراحة: الحركة النقابية العمالية أمام الاستحقاقات القادمة!!
يتصاعد الضغط على عمال القطاع الخاص في ظل الأزمة الوطنية الحالية التي تتهدد فرص عملهم يوماً بعد يوم، حتى أصبح العمال في خوف حقيقي ينتابهم بسبب التسريح الواسع الذي يتعرضون له نتيجة لأغلاق الكثير من المنشآت والمعامل التي يعملون بها تحت حجة يتقدم بها أرباب العمل، وهي أنهم غير قادرين على تحمّل تكاليف أجور العمال والإنتاج الذي هو إما متوقف أو شبه متوقف، وهذه الحالة أصبحت عامة ولا تخص منطقة أو مدينة بعينها، ولكنها تظهر جلية واضحة في المدن الصناعية حيث تتمركز معظم الصناعات التي تشغل أعداداً كبيرة من العمال، فهذه المعامل قد قلصت وردياتها من ثلاث إلى وردية واحدة، وأخذت تعطي إجازات للعمال أو تخفض أيام العمل إلى يومين أو ثلاثة في الأسبوع. والسؤال الهام الذي يطرح برسم الحركة النقابية قبل الحكومة هو: ما هي الطرق العملية والناجحة لحماية حقوق العمال المسرحين من العمل؟
تناضل الحركة النقابية في معظم دول العالم، من أجل إيجاد أشكال الحماية المختلفة التي تحمي حقوق العمال في العمل الدائم، وتنشئ في هذا السياق صناديق المتعطلين عن العمل لتقديم المساعدة الضرورية للعمال المسرحين، والذين أصبحوا عاطلين عن العمل، وتمول هذه الصناديق من اشتراكات العمال ومن استثمارات النقابات ومن مصادر أخرى حكومية.. وبهذا تستمر العلاقة القوية بين النقابات والعمال، وتجعل هذه العلاقة العامل مطمئناً وموقناً بأنه لن يصبح متشرداً في فترة تعطله عن العمل، وهذا أيضاً يعزز الدور الاجتماعي للحركة النقابية الذي هو جزء من عملها ونشاطها المفترض.
لقد أخذت قضية تسريح العمال تتحول إلى قضية عامة سواء في القطاع العام أو الخاص، وهذه الظاهرة إذا ما تطورت وتوسعت ستكون منعكساتها خطيرة اجتماعياً وسياسياً، خاصة ونحن مازلنا في بدايات الأزمة الوطنية العميقة بالرغم من مرور عام على بداياتها تقريباً، ولا يمكن الاستمرار في التعاطي مع قضية المسرحين باعتبارها قضية قانونية فقط، بل إن التعامل معها من هذا المنظور لن يجدي نفعاً وإنما سيفاقمها إذا ما أخذنا الوضع الاقتصادي للعاطلين عن العمل والمسرحين بعين الاعتبار، خصوصاً من حيث تدني مستوى المعيشة وارتفاع نسب الفقر وعدم القدرة على تأمين الحد الأدنى من الحاجات الأساسية بسبب الارتفاع الجنوني للأسعار وفقدان العديد من المواد الأساسية أو صعوبة الحصول عليها إلا بدفع تكاليف إضافية لا طاقة لهم على تحملها.
إن حل هذه القضية الاجتماعية الهامة معنية بها الحركة النقابية بالدرجة الأولى، والتصدي لحلها أو الاقتراب من حلها هو جزء من المهام الملقاة على عاتق الحركة النقابية، وذلك بالضغط المباشر على الحكومة من أجل أن تجد حلولاً سريعة لإعادة تشغيل ما هو متوقف من المعامل في القطاع العام، ومساعدة القطاع الخاص الإنتاجي أيضاً بإعادة وضعه إلى ما كان عليه قبل الأزمة الحالية، وذلك بتخفيض الضرائب وتكاليف الإنتاج وخاصة للمواد الأولية، ومحاولة إيجاد بدائل محلية وبسعر التكلفة لما هو متوفر من المواد الأولية في السوق المحلية. إن كل ذلك سيساعد القطاع الخاص الإنتاجي على التشغيل الكامل للمنشآت والمعامل، وإعادة العمال الذين سرحوا بسبب تفاقم الأوضاع الحالية التي جعلت أرباب العمل يعلنون عدم قدرتهم على الاستمرار في تشغيل معاملهم المتوقفة جزئياً أو كلياً.
إن الظروف تتبدل وتتغير، ولن يبقى شيء على ما هو عليه في جميع المناحي، ولهذا فإن الحركة النقابية ستواجه استحقاقات حقيقية في هذه الأوضاع المتعثرة، وأهمها كيف ستحافظ على وحدتها التنظيمية وعلى وحدة الحركة النقابية، بالوقت الذي يجري الآن ارتفاع الكثير من الأصوات المطالبة بالتعددية النقابية والحريات النقابية؟؟
إن هذه الأصوات ما كانت لتعلو لولا ابتعاد النقابات عن عمال القطاع الخاص وعدم قدرتها على تنظيمهم ووضعهم تحت المظلة النقابية ورعاية شؤونهم والدفاع عن حقوقهم، وإن كل ذلك يجعل تلك الأصوات تنادي بضرورة تأسيس نقابات خاصة لعمال القطاع الخاص لا علاقة لها بالحركة النقابية القائمة الآن، وهذا الطرح يعتبر بمثابة إنذار مدوٍّ لابد من أخذه بعين الاعتبار وعدم التعامل معه وكأنه شيء غير موجود، بالوقت الذي نرى أمام أعيننا في مصر وتونس وفلسطين والأردن ما يؤكد الخطر الذي نشير إليه.. خصوصاً إذا ما استمر موقف النقابات بخطابها وآليات عملها على ما هو عليه دون إجراء مراجعة لذلك، بحيث تنقل الحركة النقابية سريعاً من موقع المراوح في المكان إلى الموقع الفاعل في كل شؤون الحركة العمالية التي تتأثر بما يجري حولها من أحداث وتجارب، وقد تستجيب لما يطرح عليها من مواقف تلبي مؤقتاً جزءاً من مطالبها المشروعة من أجل الدفاع عن حقوقها التي تطرحها تلك القوى الداعية إلى التعددية النقابية عوضاً عن الدفاع عن وحدة الحركة النقابية واستقلالية قرارها وعدم هيمنة أي طرف من الأطراف على هذا القرار.