من الأرشيف العمالي : الموقع النضالي الحقيقي
يتوارد تباعاً عبر الصحافة المختلفة آراء ومواقف عديدة من داخل النظام وخارجه داعية إلى إصلاح وتطوير وتحديث لجملة من المنظومات والقضايا التي تمس الاقتصاد الوطني والطبقة العاملة السورية
وهذه الآراء والمواقف تلتقي جميعها عند نقطة واحدة جوهرية وهي الخلاص من قطاع الدولة القائم باعتباره قطاعاً متخلفاً، لا يمكن أن يجاري الضرورات القادمة والاتفاقيات التي عقدتها سورية مؤخراً، وبشرنا هؤلاء أن الانهيار قادم وحتمي، إن لم نقبل على خطوات جريئة ومؤلمة اقتصادياً واجتماعياً، وإلا فلا يمكن السيطرة على ما سيحدث فيما بعد. ويستند هؤلاء بذلك على قضيتين أساسيتين:
الخسائر الكبيرة التي مني بها قطاع الدولة، وعدم قدرته على السير إلى الأمام والقيام بمهام النمو والتنمية.
وجود عمالة زائدة في هذا القطاع تبلغ حسب تقديراتهم من 20 ــ 30% من قوة العمل الأساسية.
لعلنا نستطيع القول إزاء ما نسمع ونرى إن تلك المواقف كلام حق يراد به باطل.
أين يكمن ذلك؟ قطاع الدولة عبر السنوات الماضية من عمره لعب دوراً مهماً في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية السورية، ومكنها في تلك الظروف من إمكانية الصمود السياسي، وما كان يمكن لقطاع الدولة أن يلعب هذا الدور لولا وجود توازن قوى على الأرض، أي وجود الاتحاد السوفياتي ودعمه الكبير لسورية اقتصادياً وسياسياً مما مكنه أن يلعب ذلك الدور المهم والكبير. ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي واختلال موازين القوى عالمياً، تأثر هذا الدور إلى حد كبير إضافة لما فعل به من تخريب متعمد ونهب واسع. ونتيجة التطور والتوسع في قطاع الدولة تطورت الطبقة العاملة السورية عددياً ونوعياً، وتراكمت لديها خبرات واسعة في الإنتاج وقيادة العملية الإنتاجية في مراحلها المختلفة.
أيضاً نتيجة ذلك تطور وعيها المهني والطبقي وأصبحت طبقة واعية سياسياً وعبرت عن ذاتها في مراحل مختلفة من الصراع الداخلي والخارجي، ولكن هذا لم يكتمل فكان لابد من كبح هذا التطور وإيقافه عند حدود معينة تكون فيها تابعة بكل المعاني السياسية والتنظيمية وبالتالي يكون دورها محدوداً وإيقاع حركتها مضبوطاً إزاء ما يجري من تطورت سياسية واقتصادية واجتماعية رغم كل المظاهر الديمقراطية الخارجية التي تبدو للعيان (مجالس إدارة، مجالس إنتاجية، مجلس الشعب... إلخ) ولكن حتى تلك المظاهر تسقط فوراً عند أي معركة تحاول فيها الطبقة العاملة التعبير عن ذاتها وعن حقها وعن موقعها. مكبلة بأشكال تنظيمية بيروقراطية تعمل بعقلية الموظف الذي يؤدي واجبه الوظيفي تجاه من وظفه في هذا الموقع الذي هو بالأساس والضرورة يجب أن يكون موقعاً نضالياً، موقعاً يجري فيه الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة بشكل فعلي، بشكل كفاحي ليس على الورق والمذكرات فقط.
قاسيون العدد 239 كانون ثاني 2005