فرص عمل بالطريقة السورية
صرح وزير المالية إسماعيل إسماعيل بتصريح شابه الكثير من الغموض والتأويلات ولا ندري على أي قانون أو دستور اعتمد في وصفه، وذلك حين بيَّن أن إيجاد فرص عمل لجميع المواطنين ليس من واجب الدولة، وأنه ينبغي على جميع طالبي العمل دراسة اختصاصات جديدة تؤمن لهم فرص عمل، ذاتياً أو بمشاركة القطاع الخاص، مؤكدا على ضرورة حصر التعيين في الجهات العامة من خلال المسابقات، ووفقا لحاجة كل جهة عامة بعيدا عن المحسوبيات والعلاقات الشخصية
فهنا لن ندخل في صلب الكلام والتفسيرات التي قد تكون حسب رؤية الوزير هي الأصح في المرحلة الحالية، لكن هذا لا يمنعنا من توجيه السؤال التالي له: ماذا يقصد الوزير بكلامه أن على جميع طالبي العمل دراسة اختصاصات جديدة تؤمن لهم تلك الفرص ذاتياً؟!.
تتفق معظم الحكومات أن البطالة هي أكبر تهديد أمني يواجهه العالم العربي اليوم. حيث تصل نسبة الشباب تحت سن الـ26 والعاطلين عن العمل إلى 25% في بعض الدول العربية، وهي من أعلى نسب البطالة بين الشباب في العالم، وتتعدى الخسارة الاقتصادية الناجمة عن البطالة بين الشباب 40-50 بليون دولار سنوياً عبر العالم العربي، مُعادلةً إجمالي الناتج المحلي في بعض الدول كتونس ولبنان.
إن ما قيل آنفاً يبدو سيئاً بما فيه الكفاية إلا أن المشكلة الحقيقية التي تواجهها المنطقة هي أن المستقبل يبدو أكثر كآبةً، فإذا ما أخذنا تقييم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2009 الذي استنتج أنه يجب خلق 51 مليون فرصة عمل بحلول نهاية 2020 فقط لتثبيت ومنع تدهور الوضع الحالي بما يخص البطالة، يجب بناء عليه أن تزيد الدول العربية فعليّاً عدد فرص العمل في المنطقة بنسبة 50% تقريباً عبر السنوات العشر حتى حلول 2020، حتى تستطيع حقاً عدم الاكتراث لتصريحات بعض الوزراء الذين يبتكرون النظريات غير القابلة للتطبيق!!.
كيف إذاً يمكن تجنب هذه السيناريوهات المحتملة، وخلق النمو اللازم في الاقتصاد وحجم العمالة؟ الحل الوحيد هو الاستثمار والإصلاح الاقتصادي، وليس الاعتماد على الذات. لقد قدّرت الدراسات في الولايات المتحدة أن كل بليون دولار يستثمر في البنية التحتية يمكن أن يخلق 18 ألف فرصة عمل مباشرة ومنبثقة عنها. وتعدّ الاستثمارات في الموانئ والمطارات والمراكز المالية والمناطق الصناعية أمثلةً جيدة عن ذلك.
وهل الأصح أن نشارك القطاع الخاص أم كيف نستثمر في القطاع الخاص وخاصة بالتركيز على المشاريع الصغيرة والمتوسطة؟. وفقاً لأبحاث الاتحاد الأوروبي، فإن الاستثمار في مشروعٍ صغير أو متوسط يرفع احتمالية خلق فرص عمل إلى الضعف عما هي عليه عند استثمار المبلغ نفسه في شركة كبرى. على نحوٍ مماثل، يُظهر بحثٌ من الولايات المتحدة أنه بين العام 1980 والعام 2005، أوجد الاقتصاد الأمريكي 40 مليون فرصة عمل جديدة من مشاريع لم يكن قد مضى على إنشائها الـ5 أعوام. كما أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة هي الأقدر غالباً على خلق فرص عمل في قطاعات أكثر حداثةً وابتكاراً، مما يوفّر تنوّعاً اقتصادياً ووظائف تسهم في اقتصاد المعرفة، فهل يتطلب إنجاز العملية انتظار مجيء علي بابا وفانوسه ؟!