أبو فهد أبو فهد

من الأرشيف العمالي : احذروا الأطروحة التضليلية

تطرح الحياة بتطورها بشكل ملح السؤال المتعلق بأولويات الإصلاح هل هو إدراي أم اقتصادي أم سياسي؟

وقد أجابت قاسيون عليه في حينه بالعدد /174/ 2 ايار 2002 حينما أكدت:
«إن الإصلاح الحقيقي المنشود هو إصلاح متعدد الإحداثيات، ولا يمكن أن يكون إحادي الجانب، وإحادثيه تضع أساس فشله، لذلك فإن الإصلاح المطلوب هو إصلاح سياسي اقتصادي اجتماعي وإداري بآن واحد. أي إصلاح جذري شامل، وأية محاولة لاجتيازه سيكتب لها الفشل، وستؤخر ثمار الإصلاح الذي تريده الجماهير الشعبية».
واليوم أجابت الحياة بشكل واضح لا لبس فيه حول أولويات الإصلاح، وبرهنت أنها منظومة متكاملة لا يمكن تجزئتها، وإن كان يمكن تقسيمها مرحلياً وجدولتها زمنياً، إلا أنها يجب أن تسير بشكل متواز ومترابط مع بعضها البعض.
ومن المفيد لفت النظر إلى أطروحة تضليلية تحاول أن تضع مجموع عملية الإصلاح على «السكة الغلط» وهي تدعي أن السير في طريق الإصلاح الاقتصادي بمعناه الليبرالي الذي يتجاوب مع مصالح قوى السوق والسوء سيفضي إلى ديمقراطية سياسية، وإذا كانت تجربة التاريخ قد برهنت أن العكس هو الصحيح في البلدان الرأسمالية المتخلفة، أو ما يصطلح على تسميته بدول الجنوب، فالإصلاحات الاقتصادية الليبرالية في هذه البلدان، أدت إلى نتيجة واحدة فقط، وهي إيقاف التطور الديمقراطي، بل أحياناً زيادة القمع السياسي الذي يصبح أمراً لابد منه للحفاظ على مصالح القوى المهيمنة اقتصادياً في ظل ازدياد التوتر الاجتماعي بسبب نهبها المتزايد للدولة والمجتمع والجماهير الشعبية.
إن توسيع إطلاق الحريات الديمقراطية هو شرط لابد منه لدفع المجتمع للعب دوره المطلوب منه في مواجهة النهب البرجوازي الطفيلي والبرجوازي البيروقراطي الذي دون اجتثاثه من جذوره لا يمكن التفكير بأية حال من الأحوال بأي نمو اقتصادي لاحق، فما أدراك بإيقاف تدهور مستوى معيشة الجماهير الشعبية والسير نحو تحسينه لاحقاً. هذا الأمر بحد ذاته شرط ضروري لتعميق الوحدة الوطنية في مواجهة الهجمة الاستعمارية الجديدة الإمبريالية الأمريكية والصهيونية التي تتعرض لها منطقتنا وبلادنا. وبكلمة أخرى فإن القضية الوطنية هي قضية اقتصادية ــ اجتماعية وديمقراطية بآن واحد.
والقضية الاقتصادية الاجتماعية هي قضية وطنية وديمقراطية بآن واحد، والقضية الديمقراطية هي قضية وطنية واقتصادية اجتماعية بآن واحد. وأي تناول آخر لهذه القضايا في ظروفنا الحالية الدقيقة والخطيرة، وتأجيل أي موضوع على حساب الآخر هو ليس فقط تأجيل للمواضيع الأخرى، بل هو وأد لها كلها.

قاسيون العدد /168/ تشرين الثاني 2002