قوة العمل والإنتاج المعطلة: بين عمال تاميكو.. والإدارة المتباطئة

قوة العمل والإنتاج المعطلة: بين عمال تاميكو.. والإدارة المتباطئة

امتلأت صفحات الصحافة المحلية الرسمية بخبر عن خطوط الإنتاج الجديدة في معمل تاميكو المنقول إلى منطقة باب شرقي في دمشق، وظهرت صور لإدارة تاميكو مع وزير الصناعة الجديد في افتتاح الخط الإنتاجي بعد نقله من المعمل الأساسي في منطقة المليحة..

توجهت «قاسيون» إلى المعمل في منطقة باب شرقي لرصد عودة الحياة والإنتاج إلى معمل القطاع العام الأبرز في صناعة الأدوية بعد طول توقف.. وكانت النتيجة أن المعلومات التي حصلنا عليها لا علاقة لها بالشق الاقتصادي، وإنما في الشأن العمالي، حيث لا شيء يذكر حتى اليوم في إنتاج المعمل، والكثير يقال حول واقع عمال المعمل وإدارته..
الفوضى سيدة الموقف
في الساعة الثامنة والنصف صباحاً وأمام المعمل الصغير الواقع في منطقة باب شرقي طريق المليحة، الذي كان معملاً نسيجياً قديماً تم تأميمه، وتعود ملكيته إلى شركة تاميكو منذ وقت طويل، والذي كان حتى وقت قريب يحتوي خطاً لإنتاح الأدوية البيطرية توقف بعد فشله في منافسة إنتاج ومستوردات السوق.. يتجمع عمال معمل تاميكو الذين يقدر عددهم بحوالي 700 عامل أمام المعمل وفي البهو الداخلي وسط جو من الفوضى، وكذلك تتجمع سيارات النقل وأغلبها من «سرافيس» النقل من خطوط دمشق وريفها المختلفة..
يتجمع العمال في مكان محدد لتثبيت حضورهم، والتزامهم بالدوام الذي يمتد من الساعة السابعة صباحاً إلى الساعة التاسعة كحد أقصى، بينما العمل الوحيد الذي يضج به البناء القديم هو أعمال الصيانة لتفوح روائح «الدهان» وأصوات الحفر بينما الآلات الجديدة تنتظر التشغيل بعد انتهاء أعمال الصيانة، والعمال ينتظرون بدء العمل بعد أن طال توقفهم منذ الشهر الأول في عام 2013، أي حوالي تسعة أشهر..
مسيرة التدهور
عمال معمل تاميكو الذين كانوا ينتجون قبل الأزمة ما قيمته 1,374 مليار ل.س محافظين على أحد أهم قطاعات الدولة التي استطاعت المحافظة على حضورها في السوق في مواجهة صناعة الأدوية السورية الخاصة القوية، منذ تسعة أشهر يقتصر عملهم على «إثبات الحضور» فقط، وهو ما يزيد من تذمرهم الواضح من التراخي أمام المخاطر التي كانت تحيط باستمرار إنتاج المعمل منذ بدء الاعتداءات في الشهر العاشر من العام الماضي، والتباطؤ في التفكير بالبدائل، الذي تتحمل مسؤوليته إدارة الشركة ووزارة الصناعة معاً.
يشير عمال معمل تاميكو خلال حديثنا معهم إلى أن الاعتداءات على المعمل بدأت منذ الشهر العاشر في عام 2012، وبدأت بسرقة سيارات الشركة حيث تم سرقة أكثر من 18 سيارة، ولم تؤخذ هذه الاعتداءات على محمل الجد حيث استمرت حراسة المعمل بالآلية نفسها أي بعدد قليل من الحراس غير المؤهلين تماماً لمواجهة ظروف من هذا النوع، تطورت الاعتداءات مع تطور الوضع في منطقة المليحة لتصل الأمور مع الحماية العسكرية للمعمل إلى مستوى أعلى من الاعتداءات أدت إلى حرائق في المستودعات، ووصلت الأمور إلى الحد الذي أدى إلى توقف العمل تماماً في المعمل بتاريخ 10/1/2013 الذي كان آخر يوم عمل لعمال تاميكو في معملهم بمنطقة المليحة..
الإهمال للمعمل وللعمال..
كما ذكرنا سابقا فإن التراخي والتباطؤ هو السمة الرئيسية لتعامل إدارة تاميكو ووزارة الصناعة مع معمل الأدوية في منطقة المليحة، فمنذ تسعة أشهر توقفت إمكانية تشغيل المعمل، وبقيت إمكانية الوصول رهن الظروف الأمنية في المنطقة، ومع ذلك فإن فترة الأشهر التسعة لم تكن كافية لتجهيز المعمل البديل في منطقة باب شرقي الذي تم نقل الآلات إليه بينما لم تكن جاهزة أعمال الصيانة وينتظر خطا الإنتاج المنقولان (الأقراص والكبسول) أن تنتهي أعمال الصيانة.. ومن الطبيعي أن الإدارة التي لم تبد مستوى عالياً من المسؤولية تجاه معمل بهذه الأهمية لن تبدي مسؤولية عالية تجاه عماله، وهذا ما يظهر من خلال عدم زيارة الإدارة للمعمل الجديد إلا مرتين كما يذكر العمال، ويظهر أيضاً من إهمال تأمين النقل لعمال المعمل بعد أن سرقت السيارات.
حيث توقفت أغلب خطوط نقل العمال، وعجزت الإدارة عن تأمين بدائل توصل العمال إلى «الكراجات» الرئيسية على الأقل.. لتصبح اليوم تكاليف النقل اليومية تشكل نسبة كبيرة من رواتب العمال التي لم تتوقف خلال مرحلة التوقف كاملة، ولكن توقفت الحوافز الإنتاجية بطبيعة الحال.. يضاف إلى ذلك أن الظروف الأمنية الأكثر توتراً في دمشق ومناطقها التي تستمر منذ قرابة العام لم يدفع الجهاز الإداري في هذا المعمل إلى إيجاد آلية للتساهل مع العاملين وتبرير غياباتهم أو التشدد مع المتساهلين منهم وفق قواعد محددة أو بالاعتماد على مناطق سكنهم والظروف الأمنية على الطرق المؤدية إليها.. حيث تبقى الفوضى سيدة الموقف، والتي تسمح بأن يسود منطق «خيار وفقوس» في تبرير الغيابات وتوصيفها غياباً إدارياً أم مرضياً أم بلا راتب.. بينما وكما يؤكد العمال، فإن نقل المدراء كان من أولويات الإدارة العامة حيث خصصت سريعاً مبالغ تقدر بـ 30-40 ألف ل.س لموظفين لنقلهم، كما يذكر العمال.
التعامل الفوقي..
يتفق أغلب عمال المعمل الذين تكلمنا معهم على مشاكل عدم تأمين النقل للعمال، وعلى تأخر تجهيز المعمل الحالي، وبالتالي تأخر العمل بالمقابل فإن الإدارات الفرعية لها رأي آخر في تقييم جهد الإدارة العامة، الإدارات الفرعية التي يبدو من مستوى انشغالها مستوى ضغط العمل الناجم عن الفوضى والتعطل الموضوعي للعمال، ومع ذلك فإنها تخشى كثيراً من حديث الصحافة مع العمال مباشرة حيث أكد المدير الإداري المكلف بأن: «الإدارة هي بوابة المعمل ولا يجوز الكلام العشوائي مع العمال»  في خطاب تهميشي لبقية العمال، بينما مدير الإنتاج أكد لنا بأن الإدارة لم تتأخر في نقل المعدات لا بل قمنا بالنقل بوقت قياسي وأكثر.
الخطوط المنقولة
تم نقل خطي إنتاج من معمل المليحة إلى المعمل في باب شرقي، وقد وصلت هذه الخطوط منذ شهر تقريباً، وتم انتقاء هذين الخطين الإنتاجين الأقراص والكبسول بناء على عاملين هما أنها أكثر المنتجات طلباً في السوق، وأكثرها تكيفاً مع إمكانيات المكان أي المعمل في باب شرقي، حيث وكما ذكر لنا مدير الإنتاج فإن نقل الخطوط الأخرى غير ممكن في ظروف عدم توافر أماكن لتخزين العبوات الزجاجية على سبيل المثال..
يشار إلى أن عمال تاميكو يؤكدون على الجهود الكبيرة لعمال الصيانة الذين قاموا بفك آلات تصل قيمتها إلى 800 مليون ل.س، من المعمل القديم بجهود كبيرة تعرضوا خلالها لعمليات قنص واعتداء مع بقاء بعضهم حتى ساعات الفجر أثناء عمليات فك ونقل الآلات..
تاميكو وعمالها لا ينفصلان
اليوم قد تكون مسألة عودة عمال تاميكو ومعملها للإنتاج والعمل بمستوى معين مسألة وقت فقط مع وصول الخطوط المنقولة من المليحة، ولكن يبقى السؤال هو: ماذا عن الوقت المهدور بمجمله؟! وبعيداً عن الوضع الأمني العام، ألا يفترض أن يتم تحديد مسؤوليات التأخر بدقة، والمحاسبة على أساسها وخصوصاُ أن كل يوم تأخر كان ثمنه توقف الإنتاج وتأخر الحوافز الإنتاجية للعمال، ومزيداً من تكاليف النقل التي يدفعونها من رواتبهم بظل الأوضاع المعيشية الحالية..
إن أسئلة عديدة برسم من يرى في قطاع صناعات الدوائية قطاعاً استراتيجياً هاماً، وبرسم من زاود كثيراً بشعارات حول العمال و«ملكيتهم» لقطاع الدولة، ليتضح أن إهمال المعمل هو سلوك لا ينفصل عن إهمال عماله والفوقية والتحجيم في التعاطي مع قضاياهم..

آخر تعديل على الأحد, 15 أيلول/سبتمبر 2013 03:07