علمنة وتكفير؟
على خلفية سلوك «الأصوليات الدينية» انبرت بعض الأوساط «العلمانية» المشوّهة إلى تحميل الدين وزر ما تقوم به بعض الجماعات المسلحة، وعليه فإن كل المأزق التاريخي الذي نمر به ما كان ليكون، لولا الدين؟!،
ويذهب بعض «وعاظ» هذه العلمانية في بلدان الشرق إلى حد اعتبار أن ما نشهده من تخلف اقتصادي اجتماعي وسياسي هو بسبب دور العامل الديني ليس إلا؟!!
دون أي تمييز بين الدين كمعتقد يحظى بالاحترام، وبين الفكر التكفيري الذي هو عبارة عن «اجتهادات» هذا او ذاك وأتباعهم!
لاشك أن «الفكر الديني» الذي تبلور على يد وعّاظ السلاطين عبر بعض مراحل التاريخ وما زال، لعب دوراً في استيطان التخلف الحضاري، لأن هذا الفكر كان إطاراً أيديولوجياً لقوى الاستغلال، من أنظمة وحكام ونخب أي أن هذا الجانب من الفكر الديني أدى وظيفة محددة، هي شرعنة سلوك وسياسات قوى الاستغلال المحلية الذي كان يعني على الدوام في بلدان الأطراف استمرار حالة التبعية للمراكز الدولية، وبقليل من التدقيق نلاحظ ذلك التشابه والتطابق أحياناً بينه وبين هذه العلمنة المقلوبة على رأسها، فترويج بعض «وعاظ العلمانية» لليبرالية الاقتصادية التي كانت الأساس الموضوعي المرحلي لما وصلت اليه بلدان الشرق لا يختلف موضوعياً مع الدور والوظيفة التي أداها «وعّاظ السلاطين» من حملة الفكر الديني، كلاهما خدم البرنامج ذاته، كلاهما خدم الطبقة ذاتها، فمثل هذه العلمانية هي الوجه الآخر للأصولية الدينية في برنامجها الاقتصادي الاجتماعي، وإن كانت ترتدي الـ «تي شيرت» وتسخر من «العمامة»!؟
العلمنة بهذه الصيغة هي امتداد آخر للأصولية وليست نقيضاً لها، ولا ينفع كل هذا الزعيق «العلماني» ضد الدين حتى يكسب مبرر وجوده ومشروعيته التاريخية، فالدين كحاجة روحية، وكمسألة اعتقادية خاصة بالإنسان هو شيء، سيبقى طالما أن حاجة الانسان إليه قائمة، أما الوظيفة التي تقوم بها هذه الجماعة التكفيرية أو تلك تحت لواء الدفاع عن الدين فشيء آخر ينبغي استئصاله بالعمل على أساس برنامج نقيض متكامل يمس جوهر الظاهرة، وليس مجرد برنامج «علماني» شكلي فحسب.