سعيدة فكري عائدة لتغنّي في سجون البلاد
قيثارة في اليد، بنطلون جينز أزرق، قلادة شبابية وكلمات قريبة من الناس ونافذة إلى أعماقهم، هذه هي سعيدة فكري التي لم تتغير ولم تخرج عن «الستايل» الخاص بها منذ عشرين عاما، أي منذ ألبومها الأول «كية الغائب» الذي أطلقته العام 1994.
يصعب أن تصنف أغانيها كـ«فن شبابي»، إنه «الكانتري» حين يتقاطع مع أشكال موسيقية أخرى بلون سياسي واجتماعي، فهي مشغولة على الدوام بما يشغل الطبقات الفقيرة والمهمشة داخل المجتمع: «أنا أغني للمغاربة شبابا وشيوخا، قضيتي هي قضية الناس، وأنا منهم».
«انتقاد» هي الكلمة المفتاح حين نريد الحديث عن فن سعيدة فكري، فهي تغني ضد الظلم والتهميش والقمع والتضييق على الحريات وتكدس الثروة في يد فئة دون أخرى والفساد السياسي والاقتصادي، إضافة بالطبع إلى الهموم الفردية كالإحساس بالوحدة وغربة الكائن داخل عالم جشع.
هذا النوع من الغناء بقدر ما يستقبله «الشعب» بحرارة بقدر ما تحاصره الجهات التي تمثل الدولة، وتقتله بالصمت عنه وقطع كل سبيل تقوده إلى الدعم وإلى الإعلام، لذلك تركت سعيدة فكري البلاد وتوجهت إلى أميركا: «هجرتُ وطني بسبب الحصار الذي عشته على المستوى الفني، وبسبب الجفاء. كيف يعقل أن تحتفي دولة أجنبية بفني ويتجاهلني بلدي؟ «، تشير هنا إلى الاحتفاء الذي خُصّت به في بلجيكا أواسط التسعينيات، وعادت بعده إلى المغرب لتجد الصمت فحسب هو من يستقبلها.
تبدو صاحبة «على الهامش» فنانة حالمة إلى أبعد حد، إنها تريد عالما خاليا من الأحقاد والحروب، عالما يكون الحب هو السياسة الوحيدة التي تقوده، هذا ما تترجمه مثلا أغاني ألبومها «عالم واحد» الذي صدر في أميركا. عادت إلى المغرب قبل سنوات من أجل المشاركة في مهرجان موازين مشاركة يبدو أنها كانت مشروطة، وذلك واضح من طبيعة الأغاني التي أدتها. بعدها نزلت من المنصة الكبيرة، وقررت أن تغني في عدد من سجون البلاد بدعم من الراحلة آسية الوديع.
مؤخرا أطلقت سعيدة فكري أغنية أو على الأرجح احتجاجا فنيا جديدا عنوانه «يا قادة يا حكّام» تسأل فيه هؤلاء السادة الذين يتحكمون في مصائر شعوبهم عما قدموه، إنها تصرخ بنبرة فيها الكثير من اليأس:
«يا أمة بيها تغنينا/ بقلوب يائسة وحزينة/ تباع وتشرى فينا / درتو لأرواحنا الثمن/ بوعودكم عيينا/ ما بقى فينا حيلة/ ما متنا ما حيينا/ ولا حققنا السلام/ قولوا لي/ قولوا لي/ يا قادة يا حكام/ العيشة مرارت/ والعقول تايهة/ من الخوف انهارت/ والناس شاعلة/ شكون يطفي نار البركان؟/ قولوا لي قولوا لي يا قادة يا حكام...».
على صفحتها في الفايس بوك كتبت وهي تنقل رابط هذه الأغنية على اليوتوب: «أصبح عالمنا غابة، يأكل القوي فيها الضعيف، وأصبح قانونها السائد الكره، القتل، الحقد والانتقام، يُداس فيها الفقير، وتُسفك دماء الاطفال والنساء» ملمحة إلى ما وقع في غزة من عدوان، ومشيرة إلى أن أغنيتها هي شكل من أشكال التضامن الرمزي.
ما تقوله سعيدة فكري في أغنيتها الجديدة قالته في أغانيها السابقة منذ سنوات وبأشكال مختلفة، وبلغات مختلفة أيضا، فهي إضافة إلى العربية تغني أحيانا بالأمازيغية والانكليزية والفرنسية. من بين الألبومات التي أصدرتها :«ضاقت بي الايام»، «دارو (أقاموا) الحدود»، «على الهامش»، «الليل الباكي»، «الميزيرية/ البؤس» وغيرها.
في أغنية «أولاد الدوار/ أبناء البادية» تقول جملة تلخص طبيعة الغناء الذي يريده من يديرون دواليب هذه البلاد ورعاة الفن فيها: سكتينا يا مدام/ باراكا من الكلام (اخرسي يا مدام/ كفى من الكلام).
المصدر: السفير