أصدقاء نضال سيجري يحيون ذكرى رحيله الأولى على مسرح الحمراء
سامر اسماعيل سامر اسماعيل

أصدقاء نضال سيجري يحيون ذكرى رحيله الأولى على مسرح الحمراء

لم يرد الفنان نضال سيجري البقاء على هامش الحياة الثقافية السورية فالرجل المولود في مدينة اللاذقية 1965 كان يدرك منذ تخرجه من المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1991 أن عليه العمل باستمرار لامتلاك أدواته الحاسمة لانتزاع الفرصة بالظهور فالحق بالوصول كان دا2ئماً الشغل الشاغل لهذا الفنان الذي أحيا أصدقاؤه وعائلته وحشد من الإعلاميين والفنانين الذكرى السنوية الأولى لرحيله وذلك ظهر اليوم على مسرح الحمراء بدمشق.

وافتتح الحفل الذي حضرته وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوح بمقطوعات موسيقية على آلة البزق والعود كان أبرزها موسيقا شارة مسلسل ” ضيعة ضايعة” للفن ان طاهر مامللي ليقدم بعدها فيلم وثائقي عن حياة الفنان الراحل تحدث فيه علي النوري أبو رضوان حارس مسرح القباني عن ذكرياته مع نضال سيجري الإنسان الذي لم يكن يدخر يوماً أي مساعدة أو إغاثة لأحدهم إلا ويقدمها فقال النوري..” الفنان سيجري فاجأني ذات يوم بدخوله إلى غرفة العناية المشددة للاطمئنان على ابني الصغير ..رحمه الله لقد كان إنساناً حقيقياً قولاً وفعلاً”.

بدورها قالت الفنانة أمل عرفة ” نضال كان قادراً أن يحول أي موقف صعب في حياة أصدقائه إلى أمر طريف جاعلاً إيانا نرى الأشياء بشكل أوضح ومن الخارج..نحن الذين عجزنا أن نحول واقع رحيله إلى حقيقة فنضال يعيش بيننا وهو الفرح في حياتي وفي حياة كل من عرفه”.

والفنان الكبير دريد لحام قال ان نضال سيجري فنان مدهش.. لقد كان يدهشني بسمو موهبته في المسرح وصدقه مع هذا الفن الصعب مثلما كان يدهشني في أدائه على شاشة التلفزيون وكنت دائماً أتمنى أن أعرفه عن قرب إلى أن سنحت الفرصة والتقينا في عملين هما خربة و سنعود بعد قليل فكنت كلما أنهيت تصوير مشهد في هذه الأعمال أحب أن أسمع رأيه فيما قدمته أمام الكاميرا.1

وأضاف الفنان لحام.. كنت أقف قبالته.. أنظر إلى عينيه وأنتظر ابتسامته الطفولية فأفرح حين أسمع منه أنني نجحت في الامتحان أمام هذا الأستاذ الكبير.. نضال كان يشع محبة ووفاء وصحيح أنه سبقنا إلى جوار ربه لكنه ما يزال موجوداً في قلوبنا.

وتخلل الفيلم الوثائقي عن حياة الفنان الراحل مشاهد متعددة من مسرحياته مثل دوره في مسرحية “حمام بغدادي” للمخرج العراقي جواد الأسدي ودوره في مسرحية مات تلات مرات لحاتم علي إضافةً لدوره في مسرحية كذا انقلاب لمخرجها بسام كوسا إضافةً لمشاهد مؤثرة من مسلسل ضيعة ضايعة ولاسيما المشهد الختامي من هذا العمل الكوميدي الذي يقول فيه سيجري في وداع شخصيته أسعد خرشوف.. أسعد راح..راح اشتقلو ثم ليختتم الفيلم بجملة بصوته قال فيها مخاطباً السوريين.. الحب هو الخلاص.. الحب هو الحل يا أولاد أمي.. الحب هو الحل يا وطني.. مذيلاً كلامه هذا بعبارة.. صرخة المواطن نضال سيجري.

بدوره قال المخرج الليث حجو في مقدمة كتاب /غيوم زكريا/ للأديبة سندس برهوم أرملة الفنان سيجري والذي تم توزيعه على الحضور.. “في الأشهر الأخيرة من مرض نضال كنا جميعا نحاول الاحتيال على الموت.. تارة بالتفكير بالأدوار الصامتة التي نتجاوز فيها هروب حنجرته فلا نحرم أنفسنا ولا الجمهور الاستمتاع بهذه الموهبة الفذة وتارةً عبر إقناع أنفسنا بأن العملية ستنجح حيث كنا مقتنعين بأن جسد نضال سيتمكن من التغلب على المرض سواء بالدواء أو بالأمل أي بأي طريقة كانت”.1

وأضاف صاحب فيلم نوافذ الروح في مقدمة الكتاب الروائي الصادر حديثاً عن دار نيو ديلمون” كنا جميعاً نحتال على الموت ما عدا نضال فهو الوحيد الذي لم يكن يحتال عليه وإنما كان ينتظره ويفكر بالطريقة التي يصافحه فيها بالشكل الذي يليق برجل ففي آخر اتصال كان بيني وبين نضال أخبرني بأنه يخطط لكتابة سيناريو وكان ذلك عندما ترسخت قناعتنا بعدم جدوى العلاج فشعرت بشيء من الفرح أن نضال لم يرضخ لليأس وأنه يخطط للمستقبل ولم يخطر في بالي أبداً أنه كان يكتب سيناريو لقائه مع الموت ووداع معجبيه كان هو السيناريو الأخير”.

بدورها قالت زوجة الفنان سيجري الأديبة سندس برهوم في مقدمة كتاب غيوم زكريا” لكل من تاهوا عن الحب دون أن يفارق قلوبهم.. ولأننا نفقد أسباب اللقاء من دون أن يزول الحب.. طوبى إذاً لمن وجد دائماً الطريقة ليبقى الحب ونبقى معاً..طوبى لك نضال.. لأنك معي الآن ولآخر العمر”.

كما تخلل الذكرى السنوية الأولى لرحيل نجم الكوميديا السورية معرض للصور الضوئية ضمت بورتريهات للفنان سيجري إضافةً إلى قيام أصدقاء الفنان وزملائه وعائلته بكتابة عبارات في هذه المناسبة عن نضال سيجري الصديق والفنان لتوضع هذه العبارات في لوحة تذكارية على باب مسرح الحمراء الذي قدم فيه الراحل العديد من العروض لصالح المسرح القومي بدمشق.

ومنذ سنواته الأولى في معهد التمثيل بدمشق أدرك صاحب شخصية أسعد خرشوف أن المسرح هو المساحة الأفضل لتربية الأمل كما كان يردد دائماً ولاسيما أنه تتلمذ على أيدي كبار المسرحيين السوريين كان أبرزهم فواز الساجر.. نائلة الأطرش وممدوح عدوان فمن هناك تعرف ابن مدينة اللاذقية على فضاء الخشبة فعشقها أيما عشق وخاضها أيما خوض مسجلاً عشرات الأدوار المسرحية في عروض كان أبرزها في مسرحيات على نحو.. كاليغولا، أواكس، سفر برلك، جيسون وميديا، بحيرة البجع، صدى، نور العيون، العائلة توت، حمام بغدادي، أرامل على البسكليت، مات تلات مرات.1

وقدم سيجري مسرحية نيغاتيف بعد عشرات الورش التي حققها مع المسرح الجامعي باللاذقية مدافعاً عن فن الخشبة رغم اشتغاله الغزير في التلفزيون الذي حقق له أيضا أدواراً لا تنسى في أعمال من قبيل.. الشريد سيرة آل الجلالي الفوارس أبيض أبيض، الانتظار، زمن العار، غزلان في غابة الذئاب ،شركاء يتقاسمون الخراب، إلا أن شغله الأبرز للشاشة الصغيرة كان في مسلسل ضيعة ضايعة للكاتب ممدوح حمادة والمخرج الليث حجو فعبر شخصية أسعد خرشوف قدم سيجري شخصية نمطية غاية في الطرافة والذكاء جنباً إلى جنب مع صديقه الفنان باسم ياخور.

وعمل الفنان الراحل على شخصية أسعد خرشوف لصياغة كاريكتر نهائي للضحك الممزوج بالمرارة والسخرية جاذباً إليه ملايين المشاهدين في سورية والعالم العربي إذ نجح سيجري نجاحاً لافتاً في كتابة الكوميديا لنفسه مقتحماً بقوة الأداء أمام الكاميرا قلوب عشاقه الذين ألفوه على مسارح القباني والحمراء ودار الكتبالوطنية باللاذقية ممثلاً ومخرجاً ألمعياً وطاقةً أخاذة في مواجهة الجمهور.

وقفز اسم نضال سيجري إلى الواجهة مرة تلو مرة فنضال الذي كان مشغولاً بالمسرح ومولعاً به استطاع أن يكسر عزلته مع التلفزيون أيضاً بعد سنوات من قبوله بأدوار الصف الثاني ليصبح محط اهتمام المخرجين وبطلاً من أبطال المشهد الدرامي السوري لكنه رغم ذلك لم يساوم على حبه الأول فبقي غرامه للخشبة هو الغرام الأول والأخير رغم كل مغريات الشهرة والمال وهذا ما يفسر وصيته الآسرة بزيارة جثمانه خشبة قومي اللاذقية بعد رحيله في الحادي عشر من تموز عام 2013.

كما عمل سيجري على إخراج فيلمه طعم الليمون عام 2011 عن فكرة لحاتم علي سجل فيها هذا الفنان احتجاجه العلني على زيارة الممثلة الأمريكية أنجيلينا جولي لمخيم جرمانا للاجئين العراقيين في قلب العاصمة السورية عام 2007 تلك الزيارة التي كررتها نجمة هوليوود لمخيم المهجرين السوريين في تركيا فكان

/طعم الليمون/ بمثابة صرخة على النزعة الإنسانية الاستعراضية وعلى تلك المتاجرة بآلام الإنسان العربي وتسقط مكابداته لتسييسها وتحويلها إلى بروباغاندا رخيصة ومكشوفة.0

ولم يتوان الفنان الراحل عن الوقوف على مسافة واحدة من الجميع، صارخاً في صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.. “لا للسلاح..لا للعنف..نعم للحياة وللعيش المشترك” مثلما كتب آخر جملة له على صفحته مخاطباً أبناء وطنه” لقد اقتلعت حنجرتي لأنها خانتني فلا تخونوا أوطانكم”.

رحل نضال سيجري تاركاً خلفه أصدقاء وعائلة مكونة من ولدين وليام وآدم وزوجة.. رحل وفي قلبه الأخضر أغنيات لعشاق فنه.. رحل صاحب كلمة السلام لأرواحكم الطيبة التي كان يختم بها برنامجه على الفضائية السورية أنت ونجمك قانعاً بدور المحاور لنجوم بلاده مع أنه لم يكن يقل عنهم موهبةً وشهرةً وحضورا.

 

المصدر: سانا

آخر تعديل على الإثنين, 14 تموز/يوليو 2014 23:48