الصورة كمأساة... وكفرصة!
إيمان الأحمد إيمان الأحمد

الصورة كمأساة... وكفرصة!

لأن الحياة أغنى من كل ما يقال عنها، ثمة مواقف وحوادث وظروف وأحاسيس ومشاعر... لا يمكن للكلمات أن تحيط بها كلها أو تعبر عنها، ثمة أرواح يحفر الوجع روايته عميقاً فيها ويطلقها حزناً في الوجوه المتعبة.

يمكن للصور أن تختزن وتختزل المشهد وتقول مالا يقال، وتفصح عمّا لا يمكن للعبارة أن تفصح عنه. أشعلت الحرائق التي طالت مؤخراً غابات سورية وأشجارها قلوب السوريين. وأضافت وجعاً جديداً على الأوجاع المتراكمة والمتعبة لدرجة الإرهاق. ثمة صورة أيقونية لامرأة مسنة تناقلتها وسائل التواصل والإعلام، تجلس بهدوء في فناء بيتها والحرائق خلفها تلتهم بقايا التعب والروح ويحاول البعض من الموجودين حولها حثها على النهوض والهرب من النار المشتعلة، والمرأة لا تجيب، تنظر بأسى إلى حال أرضها وينطق الحزن على وجهها.

ليست هذه المرة الأولى وربما لن تكون الأخيرة في المدى المنظور، للصور التي تنقل وجع السوريين والسوريات. ترافقت هذه الصورة مع صور أخرى لسوريين رجالاً ونساءً ومن كل الطوائف والأديان والمذاهب يحاولون إطفاء الحريق بأدوات بسيطة وصدور عارية أمام النار يركضون بكل الاتجاهات وهم يحملون بعض الماء وأغصان الأشجار يضربون بها النار المشتعلة بجنون.

ربما تمر هذه المشاهد، والكثير غيرها، على البعض دون انتباه إلى ما تختزنه وتختزله رمزيتها المفرطة بشدة لتتناسب مع إفراط الوجع الذي يلف المشهد العام، ومشاكل ومآسي الواقع الفعلي الذي تعيشه الأغلبية الساحقة من السوريين.

في الفضاء الإلكتروني المجنون يحاول البعض رسم صورة محددة وتأطيرها عن الناس، «شعب بيستاهل يلي عم يصير فيه، شعب طائفي، شعب حاقد، شعب جاهل» إلخ من التسميات والتشبيه والقدح المقرف لدرجة الغثيان. ينطلق البعض من متلازمة جلد الذات، إذا أحسنا النية في تحليل ما يقول، ويعبر عن حالة من اليأس المفرط بسبب التراكم الهائل للمشاكل وتأخر الحلول التي يعتقد هذا البعض بأنها لن تحصل.

أما البعض الآخر فهو يقوم بعملية واعية ولأسبابه الخاصة، مهما كانت، يريد لسورية أن تغرق أكثر في المستنقع، ويريد للسوريين، وهو منهم، أن يذهبوا إلى الجحيم، مهما كان نوعه، جحيم التقسيم والتبعية والتردي الاقتصادي الاجتماعي والتردي الأخلاقي، التفكك الاجتماعي والجريمة الفقر، البطالة...إلخ، وهو يقوم بدوره في هذا عامداً متعمداً، يحاول أن يجعل من إسقاطاته وارتداداتها صورة وأطاراً لتشكيل نموذج آخر مغاير ومناقض للهوية الجامعة والخلّاقة والمبدعة التي أثبتها السوريون على مر تاريخهم.

في المقابل، تثبت الحقائق نفسها، في كل الكوارث التي مرت على البلاد والعباد، ثمة مشهد فعلي وواقعي لم يرسمه أحد، يعبر عن الحس الإنساني الفطري الموجود بداخلنا والذي يؤكد باستمرار أن هذا الشعب المتعب والمرهق لدرجة الوجع خلّاق بشكل قد لا يخطر على بال أبنائه، كما وصفه أحدهم، وأنه يحتاج إلى فرصة فقط، ليثبت للدنيا أنه قادر ويستطيع.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1239