المعنى في أن تقول لا
لم يترك الاحتلال الصهيوني ومجازره المستمرة ضد البشر والشجر والحجر، أي مجال لمحاولات التبرير أو التذرع بالحياد تجاه كيان لا يتقن سوى قتل الأبرياء من أطفال ونساء، والتدمير الممنهج للبنية التحتية، والتهجير القسري والتجويع المتعمد للناس. حتى عند بعض داعميه، يصبح الحياد في هذه الحال أمراً منافياً ليس للأخلاق فقط، بل للحس الإنساني الطبيعي المشترك بين البشر جميعاً.
ثمة أسئلة يطرحها البعض في نقاش حملات مقاطعة الكيان الصهيوني محلياً وعالمياً ونقاش جدوى الانسحاب، مثلاً، من المنافسات الفنية أو الرياضية أو الأكاديمية، التي يشارك بها الكيان، بدعوى أن الانسحاب من مواجهة «إسرائيليين» خصوصاً في المجالات الثقافية والرياضية، لا يغير في الطنبور نغماً سوى أنه يترك الساحة خالية لهم ويمنحهم انتصاراً وظهوراً إعلامياً ودولياً واسعاً. بينما يعتبر آخرون أن المقاطعة فعل مقاوم وله أهمية كبيرة خاصة في ظل الاجرام الصهيوني الذي تجاوز كل الحدود والأعراف والتصور.
ما أثار هذا الحديث هنا انعقاد «المنتدى الخامس للجمعية الدولية لعلم الاجتماع» (ISA) في المغرب بين 6 و11 تموز الجاري في جامعة «محمد الخامس» في المغرب بمشاركة أكاديميين «إسرائيليين»، والذي ترافق بحملات لمقاطعته طالبت بها كل من: «تجمّع علماء الاجتماع من أجل فلسطين»، و«الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية (لإسرائيل)»، و«الحملة المغربية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية (لإسرائيل)»، و«الجمعية الفلسطينية لعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا»، و«الهيئة المغربية للسوسيولوجيا...» وغيرها.
صدرت عدة بيانات عن أكاديميين مستقلين، رفضوا الحضور إلى جانب مؤسسات «إسرائيلية» متورطة في تبرير سياسات القمع والاحتلال. وقد بلغ عدد الموقّعين على أحد هذه البيانات أكثر من 230 أكاديمياً وأكاديمية من مختلف أنحاء العالم.
مما اضطر «الجمعية الدولية لعلم الاجتماع» (ISA) في 29 حزيران الماضي، باتخاذ قرار بتعليق عضوية الجمعية «الإسرائيلية» لعلم الاجتماع، وهي الجهة الرسمية التي تمثّل المؤسسة الأكاديمية «الإسرائيلية» داخل الجمعية الدولية. وعلّلت (ISA) قرارها بعدم صدور أي موقف واضح من الجمعية «الإسرائيلية» تجاه ما يجري في قطاع غزة من إبادة جماعية مستمرة منذ أكثر من عامين، وأعقب القرار تحذير من «الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل» حول مشاركة أكاديميين «إسرائيليين» في هذا المنتدى، مؤكدةً أن وجودهم شكل من أشكال تطبيع الاستعمار، ومساهمة في منحه شرعية أكاديمية، ما يُناقض تماماً مبادئ العدالة وحرية الشعوب. ودعت إلى مقاطعة شاملة للمنتدى في حال مشاركة «إسرائيليين».
الجامعات في «إسرائيل» ليست مؤسسات أكاديمية «محايدة»، بل هي امتداد مباشر للمؤسسة الأمنية والعسكرية الصهيونية، من حيث التمويل، والبرامج، وأحياناً التدريب والتجنيد. لذلك يعد التعامل معها كجهات «أكاديمية» تقليدية، تجاهلاً لبُنية الاستعمار نفسه، أما المقاطعة فهي لا تعتبر موقف سياسي واضح فقط، بل ضرورة أخلاقية وإنسانية، ولم تعد مجرّد تكتيك ضغط، بل فعل مقاومة رمزية ومباشرة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1233