الضحية الصامتة
إيمان الأحمد إيمان الأحمد

الضحية الصامتة

يقف الطفل الصغير ذو الثلاثة عشر عاماً طوال النهار أمام مسند يعرض فيه محل للألبسة الجاهزة بضاعته على الرصيف. ينادي الطفل للزبائن يستقبل ويناقش ويساوم ويبيع ضمن معايير رسمها له «المعلم»، مالك المحل، مثل أي رجل بالغ. القطعة بس بخمسين ألف، وعند سؤاله عن أجره، يجيب الطفل متلعثماً، خمسين ألف، باليوم؟؟ ويأتي الجواب صاعقاً، «لأ بالأسبوع!!»

ثمة الكثير في تناول ما تخلفه الحروب من خراب ودمار وموت وجراح جسدية ونفسية، ويعتبر الأطفال الشريحة الأكبر والأكثر تضرراً والضحية الصامتة التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها.

حسرة عن حسرة تختلف

«كل واحد همو على قدو» تقولها إحدى السيدات لقاسيون مع زفرة ألم، أولى هموم الأم توفير حاجات أبنائها الأساسية وتربيتهم والسعي لمستقبل آمن لهم، بينما تتجلى هموم العامل بالحصول على عمل وأجر كافٍ يؤمن به الحد الأدنى من حاجاته الأساسية التي تبقيه وعياله على قيد الحياة، أما الأطفال فينبغي أن تكون همومهم مختصرة بأن يدرسوا ويلعبوا ويكبروا في بلاد آمنة. وتضيف سيدة أخرى: لكن انقلبت الحالة اليوم، فكثير من الأطفال تركوا مدارسهم، وقسم كبير منهم اضطروا للعمل وإعالة أنفسهم وعائلاتهم، ضمن سياق معقد لا يتوفر فيه العمل للكبار وأصحاب الخبرة والمعرفة، وأجور هؤلاء مجحفة لا تكفيهم ولا تكفي عائلاتهم، فكيف بالأطفال الصغار الذين يجري استغلالهم في سوق العمل بأبشع الطرق، هذا إذا اعتبرنا توصيفه كسوق للعمل دقيقاً، في بلد لا توجد فيه صناعة وزراعة وعملية الإنتاج شبه متوقفة. أما الأمهات، فيكفي لأي أحد أن يدقق في العيون المنكسرة، والنظرات المتنقلة من بضاعة إلى أخرى لا تستطيع شراءها رغم حاجتها الماسة لها.

نقاش حاد وجاد

يجري بين الأهالي نقاش حاد وجاد حول عمل الأطفال. يوافق الجميع على حقوق الطفل المنصوص عليها (حياة كريمة وتعليم ولعب... إلخ)، وضرورة عدم تشغيله أساساً، فضلاً عن استغلاله في العمل، ولكن يتشارك كثيرون في الرأي أن هذه «الحالة المثالية» لا يمكن أن تحدث في واقع مغاير يفرض شروطه، فالأسرة السورية كانت وما زالت تعاني الكثير الآن وقبل الحرب. وفي حالة التعامل مع وقائع وتفاصيل الحياة الفعلية، يكون الأفضل للطفل أن «يذهب إلى العمل ويتعلم صنعة وينشغل بعمله بدلاً من التسكع وتعلم سيئات الشارع، خاصة إذا كان تاركاً للمدرسة!» بينما يرى آخرون أن «العمل نفسه ضمن شروط مجحفة سوف يؤثر بسلوكه سلباً ويعلمه ما هو أسوأ من سيئات الشارع، وأولها الرضوخ للاستغلال...إلخ».

يفرض هذا النقاش حاجة ملحّة لضرورة العمل والإسراع في خروج البلاد من الوضع القائم، والتأسيس لبلاد تحمي طفولة أطفالها وحقوقهم في العيش الكريم وتستثمر فيهم لضمان بقائها واستمرار وجودها، فالأطفال سيكبرون ليكونوا الأجيال القادمة والتي ستشارك في تحديد مستقبل البلاد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1222