جورج موستاكي بعد سنة على الرحيل... غناء يبثّ الأمل
سامر سليمان سامر سليمان

جورج موستاكي بعد سنة على الرحيل... غناء يبثّ الأمل

«كيف تحسن استخدام قوى المتعة والألم داخلك»، «لا داعي لأن تغني من وراء قلبك»، كانت هذه صيحة العناد التي أطلقها جورج موستاكي، مطرب الشباب في ستينات القرن الماضي، قبل أن يجهز عليه المرض.

ما بين إيقاع الحرية والألم، الثورة والعناد، الغربة والقلق، كانت حياة موستاكي وكلماته وألحانه ونضالاته، حيث تظهر قوة الإيقاعات اللحنية الانفعالية في الكلمات الحديثة التي كان يضعها بنفسه أحياناً واللزمات الموسيقية التي كان يبتكرها، وقد اشتهرت أعماله بالإيقاع الشعري والبساطة، خاصة في أغانيه الرومانسية.

ولد جوزف موستاكي في الإسكندرية في عام 1934 لوالدين (نسيم وسارة) يونانيين من جزيرة كورفو. وفي المدينة الكوزموبوليتانية المتعددة الثقافات والأعراق تعلم مبادئ العيش المشترك وحافظ على تقليد عائلته اليهودية المعروفة بالشوارب واللحى الكثة، والتي أخذت عائلته منها اسمها موستاشي وتحور إلى موستاكي عندما سافر إلى باريس. تعلم الفرنسية في مدرسة سان مارك، والإيطالية والعربية من أطفال الشارع والتركية والإسبانية من الجيران وأصدقاء العائلة، وتأثر بالمغني الفرنسي جورج براسنس واعتبره ملهمه حتى أنه غير اسمه إلى جورج.

تحول موستاكي إلى أيقونة فريدة بين الشباب في الستينات بعينيه الثاقبتين وقمصانه البيضاء الفضفاضة وغيتاره ذي النقوش الشرقية وألحانه الملهمة وحنجرته الدافئة. وعكست إنتاجاته الصوتية المتفردة عدداً لا حصر له من الأساليب ومصادر الإلهام، وقد غنى بالفرنسية والإيطالية والبرتغالية والإسبانية والإنكليزية والعربية أيضاً. «موت ساعي البريد»، «الحرية»، «وحدتي»، «بوبينو»، «هيروشيما»، «سارة» وغيرها من الأغنيات أظهرت نبرات وإيقاعات من اليونان ومصر وأوروبا واتحدت لتؤكد هاجس استمرار الحياة حيث إيحاءات البقاء وشيوعية الستينات وفلسفات التحرر والانبثاق الجديد... على رغم كل الغربة والقلق وعوامل الإحباط والانكسار غنى للحب والحياة والحرية، وأضحت أغنية «لو ميتيك» التي وضع فيها كل فلسفته في الحياة وتحكي قصة غريب يعيش حراً طليقاً في هذا العالم ويحلم بعالم أفضل رمزاً على مستوى العالم، وكشفت عمق موهبته كشاعر يتحدث عن هموم الإنسان.

فاقت أعمال موستاكي 300 أغنية له، إلى جانب أخرى كتبها لمطربين آخرين منهم من ولدوا في مصر مثل داليدا ابنة شبرا، وكلود فرنسوا، رمز شباب الستينات الذي ولد في الإسماعيلية (والده كان يعمل مرشداً في قناة السويس)، وفرنسواز هاردي، إيف مونتان، باربرا، بريجيت فونتين، فرانس غال، سيندي دانيال، بيا كولومبو، وعصفورة فرنسا إديت بياف.

لم ينسَ موستاكي مصر طوال رحلاته في كل أنحاء العالم، ففي عام 1992 أقام حفلة خيرية بإشراف اليونسكو في باريس ذهب ريعها لمصلحة ضحايا الزلزال الذي ضرب مصر في ذلك العام. ولم يكتف بالتبرع بالغناء مجاناً وإنما أقنع بقية المشاركين بأن يفعلوا الأمر نفسه.

 

استعادة

استضاف المعهد الفرنسي في الاسكندرية قبل أيام حفلة استعادية تكريماً لموستاكي حضرها جمهور غفير من الشباب والكبار، أحياها ميشال عزت وفريق إيجيبادور، والمطربة الشابة ماريانا ميتشوغلو وهي من الجالية اليونانية في الإسكندرية.

تقول ماريانا عن موستاكي: «أغانيه تبعث الوحدة بين شعوب المتوسط وتظهر عبقريته الفريدة في توليف الإيقاع اليوناني برداء فرنسي ونكهة شرقية». وترى أن الأغنيات الثورية والشاعرية التي أطلقها في سماء باريس ومن ثم العالم بثت الأمل في نفوس كثيرة. جهاد التلباني عازف الغيتار المصاحب لماريانا يقول: «ألحان موستاكي تجمع بين التراث اليوناني والفلامنكو والبوب وتظهر فلسفته الحياتية التعددية والتزامه الدائم في سبيل الحرية».

رحل موستاكي في نيس بجنوب فرنسا العام الماضي اثر إصابته بمرض تنفسي منعه من الغناء، وكانت آخر حفلاته في عام 2009 في برشلونة الإسبانية على خشبة قصر الموسيقى حيث اعتذر لجمهوره الغفير لأن أنفاسه الهزيلة لم تسعفه على الغناء كما يجب.

 

المصدر: الحياة

آخر تعديل على الأحد, 15 حزيران/يونيو 2014 23:09