فوضى المفاهيم

فوضى المفاهيم

ما يحدث اليوم في العالم أجمع، وليس في سورية وحدها، من حراك ونشاط سياسي عالٍ ضمن متغيرات سياسية متلاحقة لا تصنف كحدث سياسي فقط، بل كحدث إنساني أيضاً ضدّ منظومة الاستغلال برمتها، وضد محاولات الاستبداد ليس ترسيخ وجوده فقط، بل تأبيده. يثير نشاط الناس حنيناً لما يفتقدونه من حرية وعدالة ويستفز رغبتهم بإدارة حياة جديدة.

يضيق البعض ذرعاً بحديث الناس عن مشاكلهم وهمومهم وقلقهم، وحجة هذا البعض أنه ليس الوقت المناسب أمام «الاستحقاقات الكبرى». رغم أن النقاش العام اليوم حالة صحية، حتى في هذه الجزئية المتعلقة بالعام والخاص والعلاقة بينهما.
خلّفت سنوات عديدة من غياب الحياة السياسية الكثير من الالتباس. في مواضيع ومفاهيم سياسية عديدة، يُضطر السوريون اليوم للتعامل معها بعد سنوات من «فوبيا» السياسة، المفروضة عليهم من السلطة حينها، إذ كان مجرد الحديث عنها والإشارة إليها يثير الخوف والاستنكار. بينما باتوا اليوم مضطرين لا مخيّرين على خوض غمارها وتعلمها واختراق مفاهيمها، في ظل فرصة أمامهم لبناء سوريتهم الجديدة، سورية التي يريدون.

«شعب فيس بوك»

ليس من الصعب رؤية حالة التخبط في المفاهيم المستخدمة للتعبير عما يجول في عقول الناس وقلوبهم. تعكس الخلافات والمعارك على مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات والمنصات الافتراضية ما كتبه أحدهم على صفحته مازحاً: «تخيل أن يستيقظ شخص من غيبوبة ويقرأ تعليقات السوريين في آخر 48 ساعة، سيبدو له الوضع عصفورية».
ينبري الكل (الذي يتحدث باسم مصلحة البلاد) لمواجهة الكل في معركة افتراضية، مستعيناً بما يملكه من ذخيرة مصطلحات سياسية قديمة وجديدة، «ثورة، نظام، فلول، مندس، مكوع، شبيح، إسقاط، طائفي، علماني، مدني، ديمقراطي... إلخ»، وغيرها الكثير من المفردات التي قد لا يعرف بعض مستخدميها معناها. يجري وسم «الآخرين» بها دون فهم وتدقيق، في كثير من الأحيان لتشعل صراعاً افتراضياً يؤجج المشاعر، وقد يصل به الأمر في بعض الأحيان إلى تحوله إلى صراع واقعي في وقت يحتاج فيه الناس الهدوء والتفكير والكثير من العقلانية.

الشقاء ومحاولات الشفاء

على أرض الواقع الذي وصفته إحداهن بدقة أنه: «أحلى، وأغنى، وأكثر مرونة وأخف حدّية»، يتعامل السوريون مع بعضهم دون ضجيج، يسمعون ويتعلمون، يحاولون تفهم بعضهم البعض، واحترام اختلافاتهم، والوصول إلى نقاط مشتركة وتوافقات بالحدود الدنيا. فهم لا يعيشون في عالم مثالي يشكو من الضجر، بل في عالم تصنعه السياسة، وتتحكم في مصيرهم، عبر توزيع الثروة والسلطة، ولذلك لا يملكون رفاهية التنكر لمشكلاتهم الخاصة ولا العامة. ومشاركتهم في السياسة وصنعها اليوم ضرورة لا بد منها، بلا تهويل سواء عن الشقاء أو محاولات الشفاء.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1212