عهد جديد... سلوك جديد

عهد جديد... سلوك جديد

تنتج الحروب لغتها وكذلك الأزمات، وغالباً ما تكون لغة تنفي بها الآخر وتجعل منه خصماً. تتحول وظيفة اللغة هنا من كونها أداة بناء وتواصل لتصبح معولاً للهدم والقطيعة.

ثمة منظومة اجتماعية وأخلاقية تنتجها الأزمات والحروب، ويكاد يكون العنف والتنمر على الآخرين أحد أعمدة هذه المنظومة، وإذا كان انتشاره بالعموم يثير مخاوف اجتماعية عديدة فإن انتشاره بين الأطفال والمراهقين يثير خوفاً مضاعفاً ومحقاً على المستقبل، يستفز تفكيراً جدياً وسعياً حثيثاً لمعالجته.
تؤكد إحدى المعلمات في حديث لها مع قاسيون: «بعد تجربة طويلة في التعليم، تأكد لي أن المدرسة تعكس صورة المجتمع الموجودة فيه، وما يحدث في مدارسنا اليوم كارثي، وكأنك تشاهد فيلماً هوليودياً». وكحال أي معلم تسأله عن وضع المدارس، تعدد الكثير من المشاكل التي يعاني منها الطلاب والكادر التعليمي، ولكنها تتوقف عند ظاهرة العنف والتنمر عند الأطفال، فتقول: «لم يحل قانون منع الضرب أي مشكلة في بيئة يتعرض فيها كثير من الأطفال للضرب من والديه والمسؤولين عن تربيته...». ويؤكد معلم: «تعرض جيلٌ كامل للعنف بمختلف الأشكال، وشاهد وعايش ظروفاً صعبة، جعلت قلوب الأطفال قاسية، وجعلتهم يتنمرون على بعضهم، وخاصة على أقرانهم من الأطفال المجتهدين والخلوقين...»، وتصف مدرّسات طلاب الشعبة الصفية: «ينقسم الطلاب إلى طلاب نوم وطلاب شغب وشوشرة وطلاب مجتهدين، وقد تجد فيها طالباً يتصرف كالكبار لأنه (يصرف على عيلتو)، وبينما تشعر الغالبية منهم بالقلق والخوف والتوتر، يدفع الشعور بعدم الأمان بالكثير منهم إلى التنمر على زملائه، إما لفظياً أو حتى جسدياً، وبعضهم يقوم برشوة لجان الانضباط التي يعينها المدراء والموجهون، ليس فقط من أجل الهروب قبل انتهاء الدوام بل من أجل عدم الإبلاغ عن الإساءات التي يقوم بها المتنمرون... وفي مدارس البنات قد تتنمر طالبة على أخرى فقط لأنها أجمل منها، وأحيانا يستخدم المتنمرون، ذكوراً وإناثاً، ما لهم من حظوة عند الإدارة والتوجيه إما بسبب القرابة أو بسبب (العلاقات الخاصة) مع أهاليهم...»، وتدخل في معنى العلاقات الخاصة هذه، الرشوة «هدايا وغيرو»، أو خدمات مجانية في حال كان الأهل «واصلين»!
حديث طويل وموجع، يتدفق من حناجر أساتذة ومعلمين يرعبهم ما يحدث في مدارسهم، حسب توصيفهم. ويؤكد هؤلاء أنه لا سبيل لحل هذه المشكلة بالمواعظ الأخلاقية، لأنَّ المشكلة في الحرب لا المتحاربين، ودليلهم على ذلك التغير الذي حدث في سلوكيات طلاب الثانوي بعد سقوط السلطة في سورية، فقد شعروا بما يجري من تغيرات أثرت بهم، وهم بموقع الترقب وانتظار الأفضل، وانعكس هذا في حديثهم وسلوكهم نوعاً ما.
وما سيصبح عليه الحال، سيساعد في إيجاد الحلول وإيجاد لغة يشترك فيها الناس مجدّداً، لغة تبني ولا تهدم، يبتكر فيها الناس تجربتهم الخاصة ويؤسسون لعهد جديد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1210