الشعب يريد: خبزاً وكرامة
هل تجرّأ أحد ممن يدّعون تمثيل الشعب السوري أو يرغبون بذلك، أو حتى أولئك الذين يتدخلون بشؤونه من الخارج، وسأل السوريين ماذا يريدون؟؟ أسئلة كثيرة تطرحها الحياة والواقع الجديد اليوم على السوريين عامة أينما كانوا، في الداخل والخارج، مع طروحات عديدة محفوفة بمحاذير في كثير من الأحيان، وقلق من المستقبل وعليه، قلق يتداخل مع أمل بأفق جديد تكون فيه سورية جديدة لكل السوريين.
ثمة حاجة ملحة لنفض الغبار، غبار كثيف تراكم عبر سنوات من القمع والاستلاب، كثافته تحتاج إلى كثير من الوقت والجهد والأهم من ذلك تحتاج إلى درجة عالية من الوعي والمعرفة. يدرك السوريون بفطرتهم السياسية ما يلزم في اللحظة الراهنة، وقد عبروا عنه في البداية بأفعال صغيرة وعفوية ولكنها تملك دلالة رمزية عميقة وصارخة، كشفت رغبتهم الشديدة في كنس القديم ورميه، وتنظيم «جديدٍ» يحولونه إلى واقع بإرادتهم الحرة ويصنعونه بأيديهم، فلم يكتفوا بمظاهر الفرح وتكنيس بيوتهم وشوارعهم بل بادروا بالتطوع و«تنظيم» أنفسهم وتشكيل لجان أهلية لإدارة شؤونهم على عجل!
ثمة خوف من رغبة الناس بـ«النظافة والتنظيم»، يتملك تلك القوى التي لا تريد لهم مستقبلاً يحققون فيه سيادتهم على تراب أرضهم، سيادة غير منقوصة يقررون فيها مصيرهم ومصير مستقبل بلادهم. ويحمون حقوقهم، حقوق الجميع وبغض النظر عن العرق أو الانتماء الديني. ينساق البعض خلف تخوفاته من أن يكون الحلم والأمل بهكذا مستقبل مستحيلاً، وقد يكون ذلك أمراً طبيعياً بعد عقود من القمع والإذلال مارسته السلطة السابقة واستخدمت طرقاً وأدوات متعددة لإحكام سيطرتها على المجتمع وجهاز الدولة ولترويض الناس وأحلامهم عبر حشرهم ضمن ثنائيات مزيفة بين «إما/ أو»، وجعلتهم رهينة اللقمة والركض اليومي لتأمين الخبز للبقاء على قيد الحياة، وأهدرت كرامتهم بسياسات رامية إلى إفراغ الروح من أي شعور بانتمائه وارتباطه الوطني بالدرجة الأولى.
الارتجال في السياسة
لا يختلف اثنان حول مقولة أنه «لا يمكن انتظار نتيجة مختلفة من عمل الشي نفسه مرة تلو الأخرى بالأسلوب نفسه والخطوات نفسها». رغم وجود بعض الالتباس بفهم واستخدام بعض المصطلحات عند بعض الناس، تدرك الغالبية من السوريين اليوم حاجتها إلى القطع مع النموذج القديم من سياسات أفقرتهم وجوعتهم وأهانت كرامتهم، لذلك وإن كان هناك ضرورة لفضح جرائم السلطة السابقة وأساليبها وأدواتها لكنها غير كافية. فبالإضافة إلى الحاجة إلى الإجابة الواضحة حول سؤال من هو العدو ومن هو الصديق، والذي لم تخطئ البوصلة الشعبية يوماً في تحديده، دون الانزلاق إلى فخ التضخيم والتشويه الذي اعتمدته السلطة السابقة، ثمة حاجة للاتجاه نحو القضايا المركزية لحلها عبر عملية سياسية شاملة تنخرط فيها كل الأطراف، كأطراف متساوية، وليس كمكونات، وتحقيق توافق متبادل يلبي تطلعات الناس وحاجاتهم المادية والروحية ويلامس قضاياهم ويدفعهم للمشاركة الفعالة في بناء نموذج جديد ومتميز يليق بسورية وتاريخها وثقافتها بدلاً من استعارة أنماط وتطبيقها على الواقع السوري بشكل قسري. أو إعادة إنتاج النموذج القديم واستنساخه مرة أخرى.
الحاجة الملحة للتغيير الجذري
يشعر السوريون اليوم بالمسؤولية وبأنهم أمام امتحان مصيري، يحتاجون فيه إلى مزيد من البحث والحديث والنقاش والسؤال والتعبير، لتحقيق تغيير جذري يبني نظاماً سياسياً يحفظ لهم كرامتهم وحقوقهم.
تنال الأفكار والقرارات والأفعال الناتجة عنها قيمتها من تعدد وتنوع واختلاف مشارب الناس الذين يصنعونها ويشاركون بها، ثمة حاجة ماسّة اليوم لمشاركة أكبر عدد ممكن من الناس في صنع القرار، يشارك فيه السوري دون شروط سوى وعيه بقضاياه وتفاعله مع محيطه وتفكيره في سبل تغيير هذا الواقع في مسار طويل وشاقّ ولكنه ممكن التحقيق.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1208