متلازمة القهر «الطغاة والغزاة»
ثمة من يحاول استغلال ردود الفعل الطبيعية للسوريين على سياسات سلطة أمعنت بالتضييق عليهم وسرقت مواردهم وشوهت الكثير من جوانب حياتهم وأذلتهم لعقود طويلة. ثمة من يحاول أن يهدم المفاهيم والبنية الوطنية التي بُنيَت عليها الهوية والذات السورية، متناسياً أن الوعي الوطني للشعوب لا يتشكل بفعل الأنظمة السياسية التي تحكمه بل هو حصيلة لتجاربه المتراكمة تاريخياً.
يعرف السوريون وبحكم تجاربهم عبر التاريخ متلازمة القهر المتمثلة بكلمتين: «الطغاة والغزاة»، ومدى ارتباطهما. فلطالما كان الطغيان بوابة الغزاة للعبور إلى الداخل واستباحته. وهنا تكمن أهمية المعادلة النقيضة لهذه المتلازمة حيث تعطي أي ضربة للطغاة وسياساتهم سبباً وجيهاً لتحصين الداخل أكثر ضد الغزاة ومن ثم الانتصار عليهم.
فوضى الإعلام
ليس ثمة شك بالأهداف الحقيقية للعدوان الصهيوني على الأراضي السورية وحملات القصف الضخمة التي قام بها خلال أيام قليلة مستغلاً الفرصة لتدمير قدرات سورية العسكرية المتراكمة منذ استقلالها، واحتلال المزيد من أراضيها تحقيقاً للحلم الصهيوني بالتوسع كجزء من «إسرائيل الكبرى» مهما كانت حججه المعلنة لهذا الاستهداف. لكن كالعادة، قام الإعلام بمختلف تنوعاته بنقل أخبار العدوان بما يناسب أجندات مموليه.
«إسرائيل تحضّر سورية الجديدة»، هكذا استخدمت وسائل الإعلام الألمانية، التي تعدّ من الداعمين الأساسيين للكيان المحتل في تسويق سرديته وتلميع صورته بوضوح، خاصة بعد «طوفان الأقصى»، هذا العنوان لتصف فيه الأحداث في سورية، فقد وجدت القناة المتأسرلة «دويتشه فيله»(DW) الألمانية الناطقة بالعربية، عبر تغطيتها، فرصةً لتعزيز حضورها عربياً بعدما خف وهجها بسبب انحيازها للإبادة الصهيونية في غزة.
وبينما تجاهلت قنوات عربية ودولية أخبار العدوان على سورية، تطرّقت إليه قنوات أخرى مثل «العربية الحدث» بشكل عابر. وركزت «الجزيرة» القطرية على مشاهد احتفال السوريّين بسقوط النظام.
«الإعلام الإسرائيلي» يتجول في دمشق
تحت عنوان «i24NEWS تدخل قلب دمشق وتتحدث مع السكان»، نشرت قناة i24news «الإسرائيلية»، تحقيقاً مصوراً خطِراً في مضمونه ومضمون الرسائل التي يحملها من قلب العاصمة دمشق. عرض التحقيق الذي لم يحمل توقيع أي صحافي بل ذيّل بـ«لوغو» المحطة وتصدّر الصفحة الأولى لـلقناة باللغة الإنكليزية ما وصفه بأنه «فرحة السوريين بسقوط نظام الأسد». مضيفاً: «نتحدث مع السوريين في قلب دمشق بعد سقوط بشار الأسد هذا الأسبوع». وأفردت القناة «الإسرائيلية» التي تملك مكاتب في الإمارات وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، صفحاتها للتركيز على طرح السلام بين سورية والكيان الصهيوني وعرضت مقابلات لشخصيات سياسية ورجال دين أجمعوا على «عدم استبعاد السلام مع إسرائيل بعد الانقلاب» حسب تعبيرها. ثمة سؤال يطرح نفسه كيف تمكن إعلام الاحتلال من دخول البلاد ليضع ثقله في تلميع صورته والترويج لسرديته بينما جيشه يتوغل في الأراضي السورية ويحتل مدناً وقرى ويقصف ويدمر مواقع الجيش السوري وقدراته العسكرية وأسلحته، الجيش السوري بناه السوريون بجهودهم وعرقهم هو للسوريين ولحماية أراضيهم ودولتهم من الغزاة، وليس «جيش النظام» كما تروج الماكينة الإعلامية الغربية والصهيونية وتوابعها في المنطقة.
يعرف السوريون أكثر من غيرهم من هو عدوهم الحقيقي، سواء الكيان الصهيوني والقوى التي تقف خلفه خارجياً، ومن يسهل لهؤلاء عملية النهب ويشاركونهم بها في الداخل. ويعرفون أيضاً حجم الأكاذيب المتدفقة عليهم وعنهم، ويقدرون أيضاً حجم المسؤولية الواقعة على أكتافهم اليوم أكثر من أي وقت مضى ويدركون أهمية مراجعة وتصويب الأخطاء السابقة، من أجل التحرّر وتحقيق نصر فعلي يتلازم فيه الاستحقاق الوطني، بما يعنيه من استعادة وحدة وسيادة واستقلال دولتهم، وحقهم في تقرير مصيرهم، مع الاستحقاقات الداخلية من تحقيق العدالة الاجتماعية، والمساواة، والمواطنة والكرامة للجميع، وبناء نموذج اقتصادي جديد يضمن لهم العيش الكريم للخروج من الأزمات المتراكمة والوضع القلق الذي تمر به البلاد، وتحقيق منعة مُستدامة وشاملة: سياسياً وعسكريّاً واقتصاديّاً، واجتماعيّاً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1205