أرواح «منفية» بين الراهن والتركة الثقيلة
 بانة بيضون بانة بيضون

أرواح «منفية» بين الراهن والتركة الثقيلة

تطرق الأعمال المشاركة في الدورة الـ11 من «مهرجان الفيلم اللبناني»، أبواباً جديدة في الفن السابع المحلّي، مع خروجها من دائرة الحرب الأهلية التي تراجعت إلى الخلفية. تجارب جديدة تستكشف أساليب وثيمات مختلفة، فيما تواصل إدارة المهرجان رهانها على الإنتاج المحلي والمواهب الشابة.

غداً، تنطلق الدورة الـ١١ من «مهرجان الفيلم اللبناني» الذي يقف وراءه سبيل غصوب وكارول مزهر (بالاشتراك مع «مؤسسة سينما لبنان» هذه السنة). منذ البداية، راهنت التجربة على الإنتاج المحلي، والمشاريع الشابة. المهرجان الذي يستمر حتى 10 حزيران (يونيو) في «متروبوليس أمبير صوفيل»، يعرض حوالى 50 فيلماً بين وثائقي ودرامي تجريبي.

تنقسم الأعمال إلى ثلاث فئات، ويتبارى ٤٣ شريطاً على أربع جوائز في المسابقة الرسمية: أفضل روائي، وتسجيلي، وعمل أوّل، وفيلم تجريبي، تختارها لجنة تحكيم مؤلّفة من المخرجة نادين لبكي، والمخرج هرنان بلون، والكاتب والمخرج شريف غطاس والزميل بيار أبي صعب. كذلك تشارك أفلام لبنانية خارج المسابقة الرسمية، وأخرى مختارة من السينما الأرجنتينية.

من بين هذه الأعمال ما يعود إلى الحرب اللبنانية، بحثاً عن وسيلة للتصالح مع تبعات هذه التركة الثقيلة. يبحث غيرها في الواقع المعيش المضطرب والعشوائي، بينما تغرّد أخرى في فضاءات مختلفة مستكشفة ميادين جديدة، أكان لناحية أسلوبها أو ثيماتها. يبدو بعض هذه التجارب أكثر نجاحاً أو اكتمالاً من الآخر، إلا أنها باختلافها وبتفاوتها تطرق أبواباً جديدة في السينما اللبنانية، مبعدة إياها عن الحرب التي التصقت بها لسنوات، برغم أنها ما زالت كشبح في خلفية المشهد يستحيل الفكاك منه.

من بين أعمال المسابقة الرسمية «نادي السبورتينغ» (8/6) لزلفا سورا. تروي السينمائية اللبنانية خريجة «جامعة السوربون» قصة أليكس (غابريال بطرس) الستينية الوحيدة التي تأتي إلى «السبورتينغ» في بيروت للاحتفال بعيدها الذي لا يأتي إليه أحد. هكذا، تمضيه برفقة النادل علي (فادي أبي سمرا) وجينا (ديامون بو عبود) التي تلجأ إلى المكان هرباً من قوّادها. أجمل ما في الفيلم حياة المسبح المهجور البارد التي تصوّرها المخرجة بتفاصيلها، فتخلق إيقاعاً سينمائياً خاصاً يجسّد ثقل الوقت الذي يمر ببطء في المكان. يتميّز الحوار بطرافته التي يعززها أداء الممثلين، حيث الشخصيات متناقضة وآتية من خلفيات متفاوتة. نجحت المخرجة في خلق ديناميّة المشهد والإيقاع المتناغم بين الحوار واللغة السينمائية المبتكرة، وفي بناء عالم خيالي متماسك ومقنع بقوانينه ومفاهيمه حتى لو لم تكن منطقية تماماً. الأمر الوحيد الذي يسيء إلى الحوار هو ميله إلى المبالغة التراجيدية أحياناً، حين تتحدث أليكس أو جينا عن حياتها. وخلافاً لذلك، يبدو مؤثراً أكثر حين تعتمد المخرجة على حسّ السخرية لتجسيد حالة الميلونكوليا، التي تعيشها الشخصيات. اللبناني هادي زكّاك يشارك بشريطه الوثائقي «شهر عسل 58» (6/6). يأخذنا إلى عام 1958، حيث يخبرنا قصة حبّ والديه التي تتوّج بزفاف وشهر عسل بالتزامن مع بروفة الحرب الأهلية الأولى بعد الاستقلال، معتمداً على الأرشيف كمادة أساسية. من بين الأفلام التي ستعرض أيضاً «أسطورة صالح شريف» (8/6) للبناني زاهي فرح. يحكي الشريط الروائي قصة صالح الذي يسعى إلى الانتقام بعدما قتلت عشيرة واحداً من عائلته. يقع العمل في مكان وإطار تاريخي مجهول، فيما لا تمثل التفاصيل الأخرى أهمية للمخرج. ما نعرفه أن صالح يتنقّل من مكان لآخر والسيف في يده، حتى يعثر على أحد أفراد عائلة العشيرة الذي يظهر فجأة وحيداً في منطقة قاحلة. برغم جمالية المشهدية البصرية في بعض المشاهد، إلا أنها لم تغطِ ضعف الحبكة الروائية المسطحة والحوار الإنشائي.

«منفي» (8/6) لربيع الأمين، مخرج فيلم «أحمد الياباني» الوثائقي الذي حاز جائزة لجنة التحكيم في «مهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية»، يروي يوميات رجل وعائلته في المنفى وحالته النفسية المتدهورة، إثر الاكتئاب والحنين إلى وطنه. يحاول المخرج تجسيد حالة الميلونكوليا المسيطرة على البطل، إلى جانب الشعور بالتشتت. إحدى مشاكل الشريط، الحوار الذي يميل إلى الخطابية أحياناً، ويبتعد عن العفوية والانسيابية في بعض اللقطات، كما أتت الحبكة الروائية أقل ابتكاراً من اللغة السينمائية. في «ربما» (7/6) لراكان مياسي تروي الصورة بصمت قصة لاجئ يحاول الهرب من بؤس حياته إلى عالمه المتخيل، فيخلق من بيت التنك الصغير الذي يسكنه عالماً سحرياً. يمتاز الفيلم بحيوية إيقاعه وتفاصيله المشغولة بعناية، وبتقديم المخرج لشخصية اللاجئ. يجعله أشبه بشارلي تشابلن، الذي يتصدّى لمصاعب حياته بالكوميديا، فيسرق قنينة نبيذ ويهرول فرحاً إلى منزله ليُعدّ المائدة ويصفّ أكواب النبيذ. تنتقص النهاية الميلودارمية من خصوصية الفيلم، أي عندما ينظر الشاب من ثقب الباب ويرى حبيبته تبتعد مبتسمة كملاك إلى أن تصل إلى نهاية النفق، حيث ينتظرها رجل غليظ يتحرش بها.

يفتح «شباب القاهرة» (8/6) لكريستينا ملكون نافذة على الثورات العربية. يصف العمل المشهد الفني الذي حفزته الثورة المصرية، وأسهمت في تطوره وانفتاحه على تجارب جديدة. يروي قصة شبان وشابات انخرطوا في مجالات الغرافيتي أو الموسيقى بعد نشوب الثورة. هكذا، بحثوا عن طريقة مختلفة للتعبير ولتوثيق الثورة المصرية من صور الشهداء والشعارات على الجدران مروراً بأغنيات الراب والموسيقى التي من شأنها أن تبني ذاكرة أخرى فنية للثورة المصرية في المخيلة.

في «هل نستطيع أنا وأنتَ الرقص سوية؟» (8/6) للمخرجة وفاء حلاوي، تظهر الراقصة كارولين حاتم. يجسد العمل مزجاً بين الفنون المختلفة، إذ تظهر راقصتان كل منهما في مكان مختلف، وتحاولان التواصل عبر الرقص. تحاول المخرجة خلق رابط صوري بين الراقصتين عبر المونتاج لتجسيد هذا التفاعل. فكرة الفيلم مبتكرة يعزّز من قوتها أداء كارولين حاتم المتميز، برغم أن لغته السينمائية ليست في مستوى الابتكار نفسه فتعتمد على المؤثرات الخاصة لخلق هذا التواصل.

 

المصدر: الأخبار