بيرسونا

بيرسونا

يقول المخرج السويدي «إنغمار بيرغمان» عن مهنة الإخراج السينمائي:

«إنني أسأل نفسي لماذا عملت في هذا الميدان خمسين عاماً وأكثر؟ لماذا تستيقظ في الصباح الباكر كي تبتكر وتخلق أشياء جديدة؟ وأجد نفسي أجيب عن هذه الأسئلة بأنني أريد إيجاد صلة مباشرة بيني وبين الناس، لأخبرهم بأشياء عن أنفسهم... وعني أيضاً، ربما يصبح بإمكاننا بالوسائل المتواضعة تغيير بعض الأشياء، حتى لو كانت أشياء صغيرة».

لعل بيرغمان قد أثبت ذلك في رائعته بيرسونا «القناع» أو «الشخصية» كما يفضل البعض تسميته، شريط يغرقنا بالتساؤلات حول العلاقات الإنسانية ومحاولة تشريحها، من خلال غرابة الكادرات البصرية والحوارات، ولكن هذه الغرابة تظل مطواعة ومألوفة.

نلمس شاعرية الإيحاءات، الكامنة في الملامسات الروحية بين الفرد والمكان، وبين الفرد ومن حوله. وتبقى الواقعية،رغم ذلك من أهم ملامح هذا الفيلم، وهو ما لا يغيب عن أعمال بيرغمان، رغم استخدامه بين الحين والأخر لمشاهد سريالية، غالباً ما تكون في مكانها الصحيح، في تعبيرها عن تعقد الأزمات الإنسانية.

يروي الفلم قصة«إليزابيت» و«ألما» مركزاً على وجوه الشخصيات، ولعبت كاميرا المصور الوفي لبيرغمان «سفن نيكفست» دوراً بارعاً في تصوير انعكاس الانفعالات في عيون الممثلين.

«إليزابيت» ممثلة اعتكفت الكلام فجأة على خشبة المسرح، أثناء تأديتها دور إلكيترا في الأسطورة الإغريقية ، وتوقفت عن نطق حرف واحد حيال هذا العالم المؤلم والمتوحش، و«ألما» ممرضة إليزابيت. امرأتان يجمعهما بيت على شاطئ ناء في جزيرة فارو السويدية، تحاول فيها الممرضة مساعدة «إليزابيت»على تجاوز هذا الصمت الطوعي وخرقه من خلال كسب ثقتها ومساعدتها، فتبدأ بسرد مطول لأحاديث جدلية ذاتية، تقوده «ألما» وحيدة وترد عليها إليزابيث بالصمت. بيرسونا شريط  ذو مظهر شطرنجي من حيث التناوب في الألوان، فيظهر اللباس أبيض في المشاهد المظلمة داخل المنزل، وأسود في المشاهد المضيئة خارجه وعلى الشاطئ.

يصور بيرغمان في هذا الفيلم المعاناة، الغيرة، الخوف، الرغبة، الشغف، والجنون، تسرده «ألما» في حديثها المطول و«إليزابيت» في صمتها الذي حمل هواجس عجزها عن استيعاب الكوارث الكبرى، وعجزها عن تحمل الكذب والأقنعة...

نلاحظ تأثيرات حرب فيتنام في لمحة خاطفة، في مشهد حرق الكاهن لنفسه احتجاجاً (على شاشة التلفاز في المستشفى) وتراجع «إليزابيت» مذعورة، في تعبير صارخ  عن تقزز المخرج من العنف الخارجي.

فيلم كثيف بالرموز، ويصنف ضمن الأعمال الصعبة والمعقدة، ويمثل ذروة إبداع بيرغمان، وشاهداً على تجديده للغة السينما، وهو ما يظهر بعد منتصف العمل إذ يتوقف الفيلم، وكأنه أصيب بضرر ما،  وتتمزق صورة «ألما»، ثم يعيدنا إلى بعض المشاهد الأبوكالبتية من مقدمة الفيلم، لنرجع بعد ذلك مع «إليزابيت» خالقاً تبايناً في وضوح الصورة، للتعبيرعن الضبابية والصراع القادم بين المرأتين، صراعاً هستيرياً ناتجاً عن تطورعلاقتهما إلى أن يصلا إلى الانصهار والذوبان في شخصية واحدة.

كتب بيرغمان في مذكراته: «عاجلاً أم أجلاً.. أنا سأصرح الآن بأن بيرسونا أنقذ حياتي... وهذه ليست مبالغة. لو لم أكن في كامل عافيتي لما كنت استطعت إنجاز هذا الفيلم، المغزى من كلامي هو أني لم أهتم بنتائج نجاح هذا الفيلم سواء أكان نقدياً أو تجارياً..».

نذكر لبيرغمان أنه رفض الترشيح للأوسكار وقال إن هوليود هي مؤسسة  لإهانة الفنون السينمائية، وطلب أن يعفى من اهتمامات اللجنة اللاحقة رافضاً الجوائز منها. 

بيرسونا إنتاج عام 1966
إخراج : إنغمار بيرغمان.
تمثيل: ليف أولمن، بيبي أندرسون.