غزو البلهاء
بينما يوغل الصهاينة بعيداً في توحشهم وإجرامهم، يوغل البعض من أصحاب الرؤوس المسطحة وذوي التفكير ضيّق الأفق في الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في الاصطفاف مع العدو ضمناً أوعلناً، فلم يكفهم الشماتة في استشهاد قادة المقاومة بل ذهبوا إلى اتهامها وداعميها بحمّام الدم المراق في غزة.
وسواء انطلقت مواقف هؤلاء من خيانة أو انعدام مسؤولية أو حتى حماقة البعض واعتقاده أنه يمكن تجنب سفك الدماء من خلال إقناع العدو سلمياً، ولكنها في النهاية تصب في خدمة عدو استشرس في إجرامه ووحشيته.
لم يتوقف السلوك الإجرامي للكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني يوماً، ولكنه ازداد بعد عملية «طوفان الأقصى» في حجمه وفي مداه، فكلما ازدادت مشاكله الداخلية وتناقضاته وتراجعت قوته يزداد توحشه وعنفه وإجرامه. كما أنه يعتبر جزءاً من الغرب الاستعماري وامتداداً له في المنطقة لذلك فإن سلوكه هو أحد تعبيرات السعار الغربي في محاولته الحفاظ على مكانته المهددة في عالم يتغير لغير صالحه، وسط صعود لقوى جديدة تتحدى الهيمنة الغربية في لحظة تاريخية فارقة نوعياً، تعاني النخب الاستعمارية الغربية فيها مأزقاً فريداً وصل المشهد السياسي فيها إلى حالة متقدمة من التردي وتفاقم الأزمات المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ... إلخ.
تضطر هذه النخب تحت وطأة شعورها بالخوف وعدم القدرة على حل المشاكل المتفاقمة الناتجة عن أزماتها الداخلية إلى تقليص اعتمادها على القوّة الناعمة، واللجوء إلى البطش، واستخدام العنف بصورة أشدّ من كلّ عنف سابق، فشعورها بتضافر عوامل داخلية وخارجية يغذّي بعضها بعضاً وتؤدي إلى تراجع هيمنتها، وإحساسها العميق بفقدان الهيمنة على السردية الملفقة والناظمة لوجود الكيان وتبرير ممارساته المتوحّشة التي كشفت زيفها حرب غزة، كل ذلك يجعلها أكثر توحّشاً وشراسة في محاولة لعكس مسار التراجع.
إن لجوء الكيان الصهيوني إلى التوحّش والإجرام ليس أمراً انفعاليّاً أو مرحليّاً، بل هو نهج متعمّد، عابر للحكومات والقيادات الصهيونية، غايته تصفية قضية الشعب الفلسطيني، وحماية مصالح الإمبريالية الأمريكية كما أشار إليها نتنياهو في خطابه الأخير في الكونغرس الأمريكي. فالحروب المتكررة ضد قطاع غزّة سابقاً كلها ترتقي، منفردة وفي مجموعها، إلى مستوى الإبادة ليس بسبب استخدامها أشد أنواع العنف والوحشية والتعنّت ضدّ كل دعوات وقف إطلاق النار فقط، بل أيضاً بسبب اقترافها علناً، في وضح النهار، على مرأى ومسمع وتواطؤ كثيرين.
يؤكد إمبرتو إيكو قائلاً: «إن أدوات مثل تويتر وفيسبوك منحت حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد كأس نبيذ! دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع وكان يتم إسكاتهم فوراً، أما الآن فلهم الحق بالكلام كمن يحمل جائزة نوبل... إنه غزو البلهاء».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1187