عن الأمهات الجميلات
إيمان الأحمد إيمان الأحمد

عن الأمهات الجميلات

ليس ثمة أقذر من الحرب. تبدو الجملة السابقة صادمة نوعاً ما بعد عنوانٍ عن الجمال، وهذا صحيح، فما تحمله الحرب من بؤس ومآسٍ وآلام لا يستقيم مع فكرة الجمال، فكيف إذا كانت الحرب إبادة شاملة للبشر والشجر والطيور... وحتى الأجنة في الأرحام.

كيف إذا كانت الحرب إبادة شاملة لكل ما هو جميل. والأمهات جميلات في كل مكان وزمان. الأمهات اللواتي غالباً ما يتحملن الجانب الأسوأ في الحياة.
تمرّ أوقات عصيبة على سكان غزة عموماً، أطفالاً وشباباً وشيوخاً ونساءً، وخاصة على النساء الحوامل والأمهات المرضعات. تؤثر المجاعة في غزة على النساء الحوامل، وتجعلهن يعانين من سوء التغذية بشكل يهدد حياتهن وحياة الأجنة، ويفقدن عدة كيلوغرامات من وزنهن، بينما يكون متوسط الزيادة الطبيعية حوالي 12 كيلوغراماً للأم الحامل. ويزيد الخوف من أصوات القذائف والقنابل من حالات الولادات المبكرة في غير أوانها، والتي تحدث مضاعفات خطِرة للوالدة والجنين، كالنزيف أو الإجهاض.
تعاني النساء الحوامل أوضاعاً عصيبة، تؤثر سلباً على حالتهن النفسية، حسب ما تؤكده شهادات الأطباء: «بعضهن كنّا نجري لهن العمليات وهنَّ مُصابات ويقطرن دماً، ولديهن كسور خطيرة في الأطراف، بل لدينا أجنّة ومواليد تعرّضوا للإصابة داخل أرحام أمهاتهم، فكنا نجري عملية الولادة ونشرع في عمليات جراحية للمواليد وأمهاتهم».

تنتشر رائحة الموت في كل مكان، والموت في غزة متعدد الأشكال والأوجه. ولكن الحياة تستمر، تنجب الأمهات أطفالهن، في ظروف استثنائية في قسوتها وفظاعتها. ليس ثمة مجاز في غزة، فالولادة من رحم الموت، والولادة في أحضان الموت وقائع فعلية تحدث للأمهات هناك. تبكي بعضهن أثناء المخاض، فقد بلغهن فقدان أحد أفراد العائلة، ومنهن من فقدت كل عائلتها.
وضعت كثير من نساء غزة مواليدهنَّ في أماكن الإيواء، وفي المناطق المحاصَرة، بعدما أصبحت أقسام الولادة في أغلب المستشفيات خارج الخدمة. ظروف مأساوية، وشهادات مروعة، وإحصائيات صادمة عن تداعيات العدوان على الحوامل ومواليدهن. فقد ارتفعت نسب حالات الإجهاض، وحالات الولادة المبكرة، ما رفع نسب المواليد الخُدّج، إلى جانب تزايد نسب التشوّهات التي لحقت بالأجنّة والمواليد. بينما سجلت تقارير المشافي إصابة سيدات حوامل وأجنتهن بالرصاص والشظايا من جراء العدوان، وارتفاع نسب النساء المصابات بـ «تكيّسات المبيض، وانفجار الرحم، والزُلال»، والتشوّهات الخلقية التي أصابت المواليد والأجنة، جراء الغازات والغارات وسوء التغذية، مثل «أجنة من دون هيكل عظمي، ومواليد فاقدين لأعضاء أو حواس...».
ستنتهي الحرب، وستظل «أجمل الأمهات التي... عينها لا تنامْ، تظل تراقبُ نجماً يحوم على جثة في الظلام، دمه المتقدّم في الأرض والجبال التي شربت روحه، ستكتسي شجراً جارياً نحوَ صيف الحقول».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1183
آخر تعديل على الإثنين, 15 تموز/يوليو 2024 08:48