«فعل ماض ناقص»!
أن نعيد قراءة التاريخ حتى نتبرأ من وحشيته ونطهره من رجس «ثقافة» الدم شيء، وأن نبقى أسرى التاريخ ومساراته ليتحكم بنا شيء آخر.
السائد في محاولات استحضار الحوادث والوقائع التاريخية في سياقات الصراع الراهن في الشرق عموماً هو التنقيب في الجانب الإشكالي من التاريخ وإبرازه، لا من أجل دراسته نقدياً كتجربة لايمكن تجاهلها كونها جزءاً «واقعياً» من التراث، بل لتوظيفه والاتكاء عليه لترويج مواقف محددة راهنة، وتسويق «وعي» مشوّه يغذي استمرار الصراعات العبثية.
بلا شك، يوجد في صفحات التاريخ ما هو ظلامي، وعبثي، لا بل يبدو التاريخ في بعض منعطفاته كـ«مسلخ»، ولكن لو استطعنا أن نستنطق أي حجر في ساحات معارك العبث الديني أوالعرقي مثلاً، لروى لنا أن: وراء كل سيفٍ حز الرقاب، وكل حبل لف حول الأعناق، ووراء كل «داحس وغبراء» ثمة سبب حقيقي غير ما يقال غالباً.. فما هو ظلامي في التاريخ، هو تحديداً تاريخ الاباطرة والملوك والزعامات، وهو نتاج الحوادث التي صنعوها وهم يتنازعون على السلطة والثروة، وإن كان «العامّة» أدواتها أحياناً، ووقودها دائماً.
بمعنى أوضح، إن «التاريخ المدمّى» ليس هو تراث الشعوب الحقيقي، لا بل على العكس من ذلك، حيث غالباً ما ينقل لنا التراث اللامادي (الشفوي) ذلك التاريخ أو التراث الحقيقي القائم على النزعة الإنسانية، والتواصل الحضاري، كونه تواتراً على لسان الناس العاديين، ولم يدونّه الأقوياء كما يحلو لهم، أو كما يتطلبه تبرير سلوكياتهم.
وعود على بدء، فإن سلوك هذا وذاك، هذه الجهة أو تلك في ظروف اليوم، لايعني بالضرورة أن الثأر والانتقام هو كل تراثنا، كما يبدو في ردود أفعال البعض، التي تنم عن جهل أحياناً، وعن عقدة الدونية أحياناً أخرى.
إن كل محاولة لتصوير ما يجري انطلاقاً من «هذا ما وجدنا عليه آباءنا» وهكذا «كان أسلافنا»، هو تزوير للتاريخ هو فعل ماض ناقص، ليس بالمعنى النحوي فقط بل هو «ناقص» بالمعنى المعرفي والأخلاقي أيضاً.
ثمة تاريخ آخر، ثقافة أخرى، مغيّبة قصداً، تتجاهلها وسائل الإعلام عمداً، قائمة على وحدة المصير، في فضاء جغرافي وثقافي وسياسي واحد لم تنفع كل المحاولات لوأده وهو يفصح عن نفسه بشكل أو آخر في سلوك أغلب الناس، وهو واضح لمن يريد أن يرى.