تأثير شركة «أمازون» في إنتاج الرواية واستهلاكها
إعداد: ناجي النابلسي إعداد: ناجي النابلسي

تأثير شركة «أمازون» في إنتاج الرواية واستهلاكها

في العدد الأخير (ربيع 2024) من مجلة «وساطات» الصادرة عن مجموعة نقدٍ أدبي أمريكية تسمي نفسها «المجموعة الأدبية الماركسية» كتب جوزيف ستاتن مقال مراجعة لكتاب يتحدث عن ظاهرة نشر الرواية الأدبية واستهلاكها في عصر سيطرة شركة أمازون العملاقة الشهيرة التي ابتكرت إحدى أضخم المنصات الاحتكارية في عصرنا العاملة بمجال بيع وشراء الكتب الإلكترونية. فيما يلي بعض الأفكار الواردة في المقال (بتصرّف).

يعتبر الكاتب أنّ صعود شركة أمازون من أهم الأحداث المرتبطة بتاريخ الأدب الحديث، حيث تمثل محاولة لإعادة صياغة الحياة الأدبية المعاصرة لدعم البيع بالتجزئة عبر الإنترنت، حيث أحدثت أمازون ثورة في الطريقة التي يشتري بها الناس الكتب وينشرونها. وبحسب مارك ماكجورل، الذي يحمل كتابه عنوان «كل شيء وأقل: الرواية في عصر الأمازون» فإن الشركة التي ظهرت إلى الوجود قبل أقل من 30 عاماً أصبحت الآن مسؤولة عن أكثر من نصف مبيعات الكتب المطبوعة في الولايات المتحدة، فضلاً عن نسبة أعلى من مبيعات الكتب الإلكترونية. كما أن الشركة تمتلك 16 «بصمة نشر» تقليدية، بما فيها «أمازون كروسينغ» التي تُصدر ترجمات إلى اللغة الإنجليزية أكثر من أي ناشر آخر.

«كيندل» وأدب «كبسة الزر»

بالتزاوج مع «أمازون» فإنّ عملية «النشر الذاتي» الضخمة عبر آلية «كندل للنشر المباشر» KDP والتي سهّلت إصدار ملايين الكتب من مؤلفين مستقلين منذ إطلاقها في عام 2007، قد أدت إلى تغيير جذري في تكوين الأدب المعاصر. لقد أصبحت أمازون المحرك الأكثر أهمية لكلٍّ من الاستهلاك والإنتاج الأدبي في الولايات المتحدة، إذا لم نقل في العالم أجمع – بحكم العولمة الأمريكية- وأصبحت «المنصة الجديدة للحياة الأدبية المعاصرة» كما يقول مؤلّف الكتاب، حيث قامت هذه الشركة العملاقة بإعادة تصوُّرِ وتصويرِ الأدب على أنه «خدمة تهدف إلى تلبية احتياجات المستهلكين ذوي الاهتمامات الخاصة للغاية».
وإذا كان جهاز كيندل هو جوهر نموذج الخدمة الأدبية الذي تتميز مكتباته الإلكترونية بـ«السيولة الرقمية»، فإنه يمثل «شكلاً أصلياً في المجال الأدبي، للظواهر الأوسع المتمثلة في تجزئة السوق وتمايز المنتجات». حيث تصبح من خلاله السوق وأهواء المشترين متأصّلة في العمل الأدبي، وعلى الرغم من أنّ أمازون لم تخترع كيندل، لكنها ساهمت في انتشار جهاز القراءة اللوحي الذكي هذا على مستوى غير مسبوق.
ولعل من أوضح الدلالات على ذلك، آلية كندل للنشر المباشر KDP حيث يتمتع المؤلفون بإمكانية الوصول إلى ما لا يقل عن عشرة آلاف نطاقٍ عام منفصل على الإنترنت، بما يمكّنهم من تصنيف رواياتهم ومساعدتهم في العثور على جمهور من المشترين/القرّاء. وبما يشمل جميع الأنواع الأدبية بدءاً من «الروايات الملحمية» إلى «الخيال العلمي» إلى «الغموض المريح» وحتى إلى أحطّ الأنواع «الأدبية» لمؤلّفين وقرّاء منحرفين ومجرمين؛ ومنها على سبيل المثال: نوعٌ لا تخجل أمازون من ترويجه تحت تصنيفٍ صادمٍ ومُخزٍ: «الإثارة الجنسية للعشاق البالغين لحفاضات الأطفال»!! والذي يسمّيه ماكجورل «النوع الأدبي الأمازونيّ المثالي». وبهذه الطريقة، فإنّ مكانة أمازون الأكبر باعتبارها «متجر كلّ شيء» تنعكس في مجموعتها من العروض الأدبية أيضاً، حيث يبدو أنّ كل رغبة يمكن تصورها وابتكارها لدى القارئ، مهما كانت دنيئة وفاشيّة، يمكن تحقيقها على الفور بنقرة زر واحدة.
وهناك جدل حول مدى «حداثة» هذا الوضع في الواقع، نظراً لأنّ «النوع الأدبي» والظاهرة الأوسع المتمثلة في «تلبية أذواق الجمهور» لطالما كانت موجودة في بيع الكتب بوصفها بضائع في السوق الرأسمالية، حيث كلّ شيء تقريباً قابلٌ للبيع والشراء. ومع ذلك، من خلال قراءة هذه الروايات فعلياً وتقييمها من حيث النوع خصوصاً، يستخلص ماكجورل العديد من جوانب الحياة المعقدة في عصر «أمازون» حيث يتغلغل المنطق السوقيّ الرأسمالي.

«المزيد» و«القليل» في النزعة الاستهلاكية

يحدد ماكجورل نوعين من الروايات يعتبرهما قطبين: «الملحمة القصوى» مثل: رواية «لعبة العروش» الشهيرة، و«الرومانسية» البسيطة نسبياً، مثل: «خمسون وجهاً رصاصيّاً». ويقول: إنه في الوجود الاجتماعي الرأسمالي، تجري دائماً مطاردة رغبتنا في «المزيد» - من المال، والوقت، وتجارب القراءة المُرضية- بواسطة رغبة مُساوية في «الأقل» -الكدح، الحمل الزائد للمعلومات، وقت الانتظار لحزمة أمازون التالية- ويرى ماكجورل أن الروايات تضع نفسها حتماً في مكان ما على طول هذا الطيف، إن لم يكن في نقاط متعددة منه: «الرواية المعاصرة تشقّ طريقها إما عن طريق الاصطفاف مع طوفان الكم الهائل الذي يُهاجم به القارئ الحديث أو مقاومة هذا الطوفان، أو عن طريق تنفيذ بعض العمليات الأكثر تعقيداً، والجمع بينهما».
يحدد ماكجورل ببراعة الحالة الأخيرة في الخيال العلمي لما بعد نهاية العالم (أدبيّات يوم القيامة؛ أو ما يسمى الأبّوكاليبسي): رَهبةُ عالَم كاملٍ مدمَّر تتمّ مواجهته من خلال العلاقة الحميمة بين مجموعة صغيرة من الناجين، الذين يتم التركيز على السرّد من خلالهم. أو من خلال قراءة «خمسون درجة للّون الرمادي» Fifty Shades of Grey التي تعمل كنوع من النص الأصلي للأدب الأمازونيّ – نسبة إلى شركة أمازون- التي تم نشرها ذاتياً في الأصل. ويلاحظ ماكجورل كيف أن كريستيان جراي في شخصية «الملياردير ألفا» الشره للاستهلاك، يسمح لبطلة الرواية آنا، عبر خضوعها لسيطرته «بأن تُعفى من الإزعاج الوجودي في الاختيار» الذي يتعرض المستهلك دائماً للهجوم من قبله. ويخلص ماكجورل إلى أنه «بهذا المعنى، حتى عندما يعترف بأنه المستهلك النهائي، فإن الملياردير ألفا يقدّم نفسه على أنّه ترياقٌ خياليّ للنزعة الاستهلاكية».
وهكذا فإنّ «المزيد»، كما هو الحال في كل مكان في الرواية المعاصرة في ظلّ سيطرة شركة أمازون، يؤدي حتماً إلى «أقلّ».
ويصف ماكجورل هذا النهج بأنه «اختبار طرق مختلفة لفهم الخيال باعتباره نعمةً قد يرغب فيها شخص ما، وبالتالي قد يشتريها». فالخيال في عصر سيطرة شركة أمازون - سواء فُهم على أنه «مكمّل وجودي»، أو «خيال منظم» يدور دائماً حول تلبية حاجة ما بغرض تسليعها في السوق، فليس مهمّاً ما هو محتواها وما قيمتها الإنسانية – ليس مهماً ما فائدته أو «قيمته الاستعمالية» طالما له «قيمة تبادلية» في السوق تؤمّن الأرباح المطلوبة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1179