الشعب المعجزة!!
يصف كثيرون الشعب الفلسطيني بالشعب المعجزة وهم محقون في ذلك، فقدرته على إبهار الجميع فاقت كل وصف، وما زالت على الرغم من كل ما يعانيه. فهو إذ يعيد إنتاج المعاني في سياقات متعددة خارجة عن المألوف وغير متوقعة ومختلفة عن النسق الكلاسيكية، ضمن التحولات التي تشهدها البشرية اليوم، يفرض استجابة فريدة في نفوس الناس.
تشكل مصداقية المقاومة وصمود الشعب قوامها الأساسي ومضمونها، فالمصداقية تكاد تكون رمزاً لهوية الفلسطيني الجديدة. يؤكد تشي غيفارا في كتابه «مبادئ حرب الغوار»: «إنّ الظفر المسلح الذي أحرزه الشعب لم يكن لينحصر فقط في النصر الملحمي الذي سجله المراقبون في العالم أجمع، بل كان ذلك انقلاباً في العقائد القديمة حول سلوك الجماهير الشعبية». ويضيف بعد ذلك عدة استنتاجات أولها: تستطيع القوى الشعبية أن تكسب حرباً ضد الجيش النظامي. ثانياً: لا ينبغي الانتظار دوماً حتى تجتمع الظروف كافة للقيام بالثورة، إذ يمكن للبؤرة الثورية أن تفجر هذه الظروف الثورية».
قدمت المقاومة الفلسطينية نموذجاً فريداً من خلال الإجراءات التي تؤثر عميقاً في الوجدان الإنساني. فأن تخبر القوى الشعبية عدوها المُستعمِر إنها ستقصف المنطقة الفلانية في الساعة الخامسة، ثم تؤكد على ذلك بإرسالها رسائل على هواتف المستوطنين تخبرهم فيها أن يخلوا منازلهم وتعيد التوكيد على الموعد، هو فعل أخلاقي أعاد الفلسطينيون من خلاله، إلى العالم كلّه، الروح لمفاهيم جرى انتهاكها على يد من روجها واستخدمها للتعدي على الآخرين، بينما يقصف جيش هائل للاحتلال غزة دون سابق إنذار ويدمر بيوتها ويقتل سكانها.
إنهم إذ يدافعون عن أنفسهم لا يسمحون لعدوهم باستخدام أي مستمسك ضدهم، رغم حدة الصدمة الإنسانية جرّاء الحرب عليهم. فبالنسبة لهم يشكل الوضوح لطبيعة الصراع القائم واستراتيجيته الركيزة الأولى في المواجهة. في مقابل الرغبة الصهيونية المتجددة في العنف الوحشي المفتوح على الانتقام، التي تزيد من كثافة العوائق التي يراكمها الصهاينة أمام مشروعهم، إن «إسرائيل إذ تخاف على نفسها من السقوط تعجل به، وقلما ينتصر الخائف المتعجل» كما يؤكد الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي «إذا لم نيأس رغم كل هذا القتل، ستيأس (إسرائيل) وداعموها من تحقيق النكبة الثانية التي لا يستقيم بقاؤها إلا بها، إذا كان كل هذا القتل لم يهزمنا ولم يؤمنها فلن يهزمنا شيء ولن يؤمنها شيء».
كان نتيجة تراكم المقاومة الشعبية أن زاد من تحصين إيمان الفلسطينيين ويقينهم بانتصار قضيتهم رغم عمق جراحهم ودمويتها، إضافة إلى تعرية خيبات المنكسرين والمتخاذلين والمطبعين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1176