عن الجوع مرة تلو الأخرى!
إيمان الأحمد إيمان الأحمد

عن الجوع مرة تلو الأخرى!

ينظر السوريون بأسىً إلى عملتهم التي لم تعد تشتري شيئاً، وحيث لكل شيء أكثر من وجه، وله أيضاً أكثر من سعر، سعرٌ وهمي وآخر فعلي، فليس ثمة بطاقة تسعير حقيقية، وليس ثمة قدرة على تحمّل الارتفاع اليومي لأسعار حاجاتهم الأساسية وعلى رأسها المواد الغذائية والتي ارتفعت بشكل جنوني ودون مبرر منذ بداية شهر رمضان.

تحمل كلمات كثير من الأغاني بعضاً من هموم الناس وتعبر عنها. يعرف السوريون جيداً زياد الرحباني ويرددون أغانيه التي تضع يدها على الجرح عميقاً، ويسمعون «رضاه»والخس «اللي بغسلها بأيدي، حطولها أسعار جديدة، كل لحظة بسعر جديد...».

أصحاب الأيادي البيضاء

تنطلق مبادرات عديدة لتقديم معونات خلال شهر رمضان في مناطق عديدة وبعناوين مختلفة تجتمع فيها مفردة «الخير» كقاسم مشترك على تنوعها، وذلك «للتخفيف عن الأسر الأكثر احتياجاً» حسب ما ينقله الإعلام بشكل مكثف في هذه الفترة، وما يغيب عن العرض الإعلامي هذا هو أن «الأكثر احتياجاً» هنا هم الأكثر فقراً، وهم اليوم الأغلبية الساحقة من السوريين الذين لم يعودوا قادرين على الحصول على حاجاتهم الأساسية من الغذاء، ويمرون في حالة من جوع حقيقي حسب الدراسات الصحية لحاجات الإنسان الفعلية اليومية من الطعام. ليس ثمة مشكلة في أن يساعد الناس بعضهم، ولكن مشكلة الجوع هنا تفاقمت إلى الحد الذي أصبحت فيه أكبر من أن تحلها المعونات والصدقات.

اللون الأبيض على المائدة!

وما يثير الدهشة والاستفزاز أيضاً ما تقدمه التقارير والبرامج الإعلامية عمّا يجب أن «تحرص الأسرة على تقديمه من أطباق في شهر الصوم»، والتذكير «بالأكلات السورية التراثية الحاضرة دوماً على الموائد ومكوناتها الأساسية...»! إضافة إلى برامج الطبخ واللقاءات الحوارية المعتادة في شهر رمضان!، وكأن المشكلة في نسيان الناس للطقوس المجتمعية المتوارثة، «واللون الأبيض على المائدة في اليوم الأول من شهر رمضان...»! أو أنهم تنكروا «للأكلات التراثية مثل الشاكرية والكبة اللبنية والمليحي والمنسف العربي والشيش برك والكشك والفتة وغيرها، والحواضر الزبدة والجبنة بأنواعها واللبنة والشنكليش والقشدة والقريشة والمغطوطة... وباقي أصناف الطعام والحلويات...»!
لقد اعتاد الناس من الإعلام تجنب مناقشة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وأسبابها الحقيقية أو تقديم حلول واقعية، ولكن ما يجري تقديمه لا يُظهر إلّا حالة الإنكار والانفصال عن الواقع التي وصل إليها.
ما يحتاجه غالبية السوريين اليوم هو حلول حقيقية تضع حداً لجوعهم وحاجتهم، ما يحتاجونه فعلاً هو حل سياسي اقتصادي اجتماعي، ينظر في موضوع توزيع الثروة بشكل عادل، ويعيد إلى البلاد والعباد كرامتهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1166
آخر تعديل على الجمعة, 26 نيسان/أبريل 2024 23:05