لا أكذب ولكنّني أتجمل!

لا أكذب ولكنّني أتجمل!

كلّما زاد القبح زادت الحاجة للجمال، وليس ثمة ما هو أقبح من الحرب ومفرزاتها. عندما تكون الحياة معلّقة يملؤها التوتر والقلق والحزن العميق، والشعور بفقدان الأمان أو فقدان المعنى والهدف من الوجود، يلجأ الإنسان إلى البحث عن حلول تخرجه من حالته النفسية.

يُظهر القبح نفسه جلياً في الحرب، ويتحول إلى ما يشبه الكارثة للمتضررين منه، قتلٌ وإصابات إعاقات دائمة، وندوب نفسية، نزوح وذكريات أليمة وفقدان لبعض أفراد العائلة، آمالٌ وأحلام تقتلُ قبل أن تتحقق، فضلاً عن خواء نفسي، جعل الكثيرين يبحثون عمّا يملؤه.
»العبء اللذيذ«
تنتشر في كثير من الأحيان الجراحات التجميلية في أوقات الحروب، وتصبح ضرورة لمعالجة الإصابات الناتجة عن استخدام السلاح، لكن بسبب تعرض الناس لمؤثرات أخرى، لم يبق انتشارها قائماً للأسباب ذاتها، فشعور المرء باليأس والعجز وعدم القدرة على حل المشكلات التي تواجهه، يؤدي به إلى البحث عن حلول لإيجاد التوازن النفسي الكافي لحمايته والمفترض أن يكون من خلال توافر أساسيات واقعية وفعالة كالتعلم والعمل والنشاط السياسي والثقافي.. إلخ، مما يلبي حاجاته النفسية ويملأ أي فراغ يمكن أن يشعر به. ولكن عندما لا تتوفر هذه الأساسيات، يلجأ إلى ما هو ثانوي للتعبير عن حاجاته، ومنها تعزيز قيمته الاجتماعية من خلال الاعتناء المبالغ فيه بالمظهر والتجميل.
أن تغدو محبوباً
في شوارع دمشق وساحاتها الرئيسية، تنتشر العديد من الإعلانات الجذابة لفتيات رشيقات بوجوه مصقولة كالألعاب، إعلانات مراكز تجميل تطلق وعوداً بتحقيق المعجزات، «شفاه ممتلئة، وجسد نحيل، وبشرة ناعمة كالحرير.. إلخ» وكلمات تحث على الاعتناء بالذات وتدليلها لأنها تستحق! ورغم أن احترام الذات وإظهار قيم الحب والتعاطف معها ضروري لدعم السلوك وتعزيز الشخصية وتطويرها، إلا أن التركيز فقط على المظهر وتجميله ليس كافياً.
إضافة إلى أن عمليات التجميل قد تكون خطرة بسبب المواد التي تُحقن في الوجوه والأجساد، حسب تأكيد كثير من الأطباء، ومع ذلك يبدو التجميل وعملياته متنفساً لكثير من الناس الذين فقدوا مظاهر الحياة والأمل.
الطير يرقص
ثمة إقبال من أبناء الأرياف على عمليات التجميل مثل أرياف دير الزور ودمشق.. إلخ، حسب تأكيد أطباء التجميل. والمعروف تاريخياً تعرّض هذه الأرياف للإهمال بشكل عام، حيث لا توجد تنمية اقتصادية واجتماعية مما جعل أبناء هذه المناطق يعيشون ظروفاً صعبة دفعت كثير منهم للهجرة، وجاءت ظروف الحرب لتعمق ما كانوا يعيشون فيه من أزمات، ودون أن يتلقّوا حلولاً حقيقية لمشكلاتهم الكثيرة! يحاول الناس الحفاظ على ما تبقى لهم من قدرة على التحمّل باعتمادهم حلول جانبية، ولكنهم في النهاية سيسيرون على الطريق الصحيح لحل مشكلاتهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1162