الشيطان والتفاصيل الصغيرة!

الشيطان والتفاصيل الصغيرة!

«يامحلا أيام الحرب» تتردد هذه الجملة بين كثير من السوريين، ليس لأنهم شعب عنيف ولا لأنهم يحبون القتال، بل لأنهم يعانون الأمرين في معركة البقاء اليومية.

يكمن الشيطان في التفاصيل الصغيرة، وتفاصيل الحياة اليومية أرهقت الناس وأنهكتهم. يتذكر سكان دمشق معاناتهم قبل سنوات، أثناء الحرب، من نقص المياه وانقطاعها بفعل القتال، يومها اضطر الناس إلى إجراءات شبه بدائية لتجاوز الأزمة، سواء في مياه الشرب أو الغسيل. واليوم ليس ثمة قتال، والمياه متوفرة إلى حد ما، ولكن المعاناة ما تزال مستمرة، للنساء وربات البيوت، خاصة في فصل الشتاء وبرده، حيث لا يوجد غاز كافٍ للطبخ فضلاً عن تسخين المياه، ولا مازوت للتدفئة أو الحمام، وأما الكهرباء فحدث ولا حرج، تواصل فترات انقطاعها تزايداً في أغلب المناطق، تلجأ النساء إلى حلول اضطرارية، غسل الملابس بالأيدي وبمياه باردة، وترتيب دور لأفراد العائلة من أجل الاستحمام، مما يضطر بعض الأمهات للاستيقاظ في منتصف الليل حسب توفر الكهرباء، أو تنظيف الأطفال «وكأنهم مرضى» بمنشفة مبللة وبعض الرغوة! والبعض لجأ لنفس الطريقة في غسيل الملابس، إذ يكفي دعك مكان البقعة ثم تنشر الثياب على الحبل شبه ناشفة ليلبسها الأطفال في اليوم التالي.
ثمة كثير من الأمراض والمشاكل الصحية المرتبطة بالنظافة، يؤكد الأطباء تزايد حالات الجرب والقمل وبعض الأمراض الهضمية والجلدية.. الخ. ويؤثر سوء تهوية المنازل، واكتظاظ البيوت بساكنيها في تفاقم الحالات، خاصة في الأمراض المعدية كالجرب والأمراض الصدرية ومرض كورونا.
تحتاج بعض الأمراض، مثل: الجرب والقمل، لعلاج كل أفراد الأسرة، إذ أن فترة حضانة المرض تكون طويلة نسبياً، ومع ذلك يشتري بعض المرضى نصف الأدوية الموصوفة لهم، بسبب ارتفاع أسعار الدواء الصاروخي، وبعضهم الآخر يتأخر في أخذ الدواء لفترة، وعندما يسأل الطبيب عن السبب، يأتي الجواب صادماً: «لحد ما أدبر مصاري يا دكتور»!
الأدوية العلاجية ضرورية، ولكن ثمة عامل لا يقل أهمية في معالجة بعض الأمراض وهو النظافة. يؤكد الأطباء أن النظافة ليست ترفاً، بل هي حاجة أساسية من حاجات الحياة، يعرف السوري ذلك تماماً ويعيه، ولكنه ببساطة لا يستطيع توفير أغلب الحاجات الأساسية، وتصبح النصائح الطبية هنا «ترفاً» في مفارقة مريرة.
المقارنة التي يجريها الناس بين أيام الحرب والقتال السابقة، وبين ما يجري اليوم، تؤكد ما يشعرون به، موت بطيء يأكل أعمارهم. ولكن ثمة شعور آخر ينمو أيضاً ببطء في دواخلهم التواقة للحياة، فثمة لحظة قادمة يختفي فيها الخوف من الموت، وتنتصر إرادة الحياة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1158