عدو الشمس
إيمان الأحمد إيمان الأحمد

عدو الشمس

كنا صغاراً عندما قرأنا في صفحات كتبنا المدرسية قصيدة سميح القاسم: «يا عدو الشمس لكن لن أساوم، وإلى آخر نبض في عروقي سأقاوم»، ولأننا كنا صغاراً حينها لم نعِ المعاني الممتلئة للكلمات التي كنا نرددها. ولكننا رغم ذلك أحببناها، ربما بسبب شحنة التحدي التي تحملها إضافة إلى كلماتها السهلة التي تسرد حياة الفلسطيني كإنسان يعيش كباقي البشر لديه معاش وثياب وفراش ويعمل حجّاراً وعتالا وكناس شوارع وينام عرياناً وجائعاً.. ولكننا لم نفطن حينها لعمق معنى تلك اللازمة التي نكررها في نهاية كل مقطع: «ياعدو الشمس، لكن لن أساوم، وإلى آخر نبض في عروقي سأقاوم»

اليوم وضعت المقاومة والشعب الفلسطيني من ورائها العالم أجمع أمام تحدٍّ لمراجعة نقدية فكرية وسياسية واقتصادية وأخلاقية.. لكل ما سبق طوفان الأقصى، وما يحدث اليوم، وما يجب أن يحدث لاحقاً. فقد كسرت الصورة النمطية لما يجب أن يكون عليه عالمنا، هذه الصورة صنيعة الغرب في مراحل تقدمه وفرض قوته وجبروته على العالم. اليوم في مرحلة تراجعه يحاول الحفاظ على هذه الصورة واستمرارها، ولكن ذلك اصطدم بالفعل المقاوم لإرادته في العالم أجمع، وفي مقدمته البؤرة لقضية استمرت حوالي قرن كامل دون حل. اليوم تتطلب الظروف الموضوعية حلها مثل باقي القضايا المعلقة.
الصور النمطية المسوّقة غربياً كثيرة وتشمل تعدداً وتنوعاً في وجودها في مختلف أوجه الحياة لتتعدى ذلك إلى تفاصيل الحياة اليومية، ومنها كمثال الصورة النمطية للبطولة، والمسوق هوليودياً كبطل خارق للطبيعة، اليوم تفاجأ الناس بصورة جديدة واقعية للبطولة، بطل حقيقي على الأرض، شكّله المقاومون، وأثاروا دهشه العالم أجمع، وبطولة بشرية نادرة تشارك فيها الفلسطينيون جميعاً، أطفالاً ونساءً وشيوخاً، وقدرة على التحمل والصبر تعجز عن وصفها الكلمات، نابعة من إيمان عميق بعدالة القضية. وهي بالنسبة للشعب الفلسطيني قضية معاشة بشكل يومي وليست مجرد شعارات تزين الكتب المدرسية!
السؤال الذي طرحه كثيرون ويطرح نفسه بقوة كيف لبشر مثل هؤلاء كل الطاقة للصبر والتحمل، والأهم الاستمرار في ظروف لا يمكن وصف بشاعتها، والأهم أنه كلما تمادى الاحتلال في إرهابه ووحشيته ظناً منه أن ذلك يمكّنه من تصفية القضية بتصفية أصحابها جسدياً وعمرانياً وثقافياً وروحياً واجتماعياً واقتصادياً تبوء محاولات قمعه بالفشل وترتدّ عكسياً.
لقد كشفت عملية طوفان الأقصى تلك التشوهات البنيوية في الوعي والمناخ المعرفي العام الذي يسود عالمنا، وخاصة للغربيين، وبينت ضرورة بناء نظام معرفي جديد يحتل الإنسان فيه مركز القلب، وذلك يتطلب قراءة نقدية عميقة للفكر الاستعماري الغربي بكل أبعاده وتجلياته.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1154