بلح الشام وعنب اليمن
لم تقف يوماً محاولات الاختراق الثقافي، وتطويع «الرموز» السياسية والثقافية والفنية من طرف «مؤسسات» تأخذ تسميات متعددة، ولكنها في الحقيقة تعتبر واجهة لدول وأجهزة استخبارات عالمية، تأخذ محاولات التطويع هذه أدوات وأساليب متعددة، قد تبدو شكلية وعادية في البداية، لكنها تكون ضمن استراتيجية متكاملة تعتمد سياسة الخطوة – خطوة لما يشكله الموقف من الاختراق الغربي من ردود أفعال في الوعي الشعبي..
مؤخراً نقلت وسائل الإعلام خبر حفل أقامته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID، والسفارة الأميركية نفسها، في أحد فنادق العاصمة الأردنية عمان، على هامش ملتقى المدافعين عن حريّة الإعلام في العالم العربي وذلك بمشاركة فرق ورموز فنية وروائية عربية كانت على مدى سنوات وعقود تعتبر رموز مقاومة، وبَنَت نجوميتها في المجال الثقافي من هذا الموقع.
في المرحلة الانتقالية بين ولادة الجديد وموت القديم، لايبقى أي جانب من النشاط الاجتماعي خارج هذه المعادلة، فكما أن الفضاء السياسي القديم يموت فإن الفضاء الثقافي السابق بمختلف مجالاته الفنية والأدبية في طريقه إلى مرحلة إعادة التشكيل، بما يتوافق مع رغبة الشعوب في إنهاء مختلف أشكال القهر والتبعية سواء كان من قوى محلية أو عالمية.
إن الإرتماء في أحضان مؤسسات دولية تجاهر بنشاطها لمصلحة دول كانت على الدوام ضد القيم الإنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى بحجة دعم الديمقراطية هو ليس إلا دليل على أحد أمرين:
- إما أنه قصور معرفي، وعدم إدراك لاتجاه تطور الأحداث الذي يسير لمصلحة قوى التحرر والعدالة الاجتماعية، وردّ فعل أعمى على الوضع الراهن بما فيه امتهان للكرامة الإنسانية.
- أو أنه عرض لكل المنتوج الثقافي بثمن بخس في سوق هو نفسه بات مفلساً اقتصادياً وسياسياً وثقافياً.
مشكلة هذه الرموز أنهم لن يعودوا من هذه «الهجرة» إلى مستنقع التبعية، إلا بـ «خفّي حنين» فلا تلك المؤسسات الممولة الجديدة تغفر لهم مواقفهم السابقة على مدى سنوات، ولا الحاضنة الثقافية والسياسية التي غادروها ستقبل بهم مرة ثانية.