البداية مع معركة ميسلون والنهاية مع طوفان الأقصى
أثناء العيش ضمن مرحلة مفصلية من تاريخ البشرية، تشتد النقاشات حول مسألة دور الجيل القديم والجديد. وهذا أمر طبيعي، في حال لم تأخذ النقاشات منحىً حادّاً يصل إلى درجة تحطيم العلاقة بين القديم والجديد. سنضع بين أيديكم محاولتنا في تقديم تفسير مسألة الأجيال في الوقت الراهن.
نعتقد أنّ مصطلح الجيل القديم، أو الجديد، هو مصطلح مركب، بمعنى أنّ مجموعة متنوعة من الأجيال بغض النظر عن أعمارهم ترابطت مع بعضها البعض عبر عقود عدة، لتكون جيلاً كاملاً، يمكن تسميته اصطلاحاً «الجيل القديم» أو «الجيل الجديد». وحتى لا نقع ضمن ثنائية قديم/جديد، نقترح النظر إلى المسألة من إحدى جوانبها الجوهرية، عبر طرحنا لسؤال أساسي، ما هو المفصل الزمني الحالي الذي نعيشه؟
نعتقد أنّ جوابنا بالأمس قد أصبح أكثر وضوحاً اليوم، والذي قلنا فيه أثناء أحداث أيلول من عام 2001، أنّ الاحتكاري الأكبر المتمثّل بالولايات المتحدة الأمريكية، وشريكه المضارب المتمثّل بالاتحاد الأوربي، وأتباعهم في أنحاء العالم، يستعدون لشن حربهم الأخيرة، قبل دخولهم في أزمتهم العميقة الشاملة والنهائية، والتي بدأوا ينزلقون إليها بالفعل بطريق يشتد انحداراً إلى الأسفل، لم تكن فيه أزمة عام 2007–2008 سوى «مطبٍّ» كبير على المنحدر وليس أكبر المطبّات/الأزمات بعد، فما بالكم في أي طور وصلت اليوم؟
إننا عندما نقول حربهم الأخيرة، نقصد أنّ الإمبريالية كانت لديها حروب عدة قبل ذلك، وتكثف معظمها في القرن الماضي، وبالشكل «الحامي» أساساً، إذا صحّ التعبير، بين (1900- 1950) تقريباً، وبعد فترة قصيرة من انتهاء هذه المرحلة ظهر الكيان المسمّى «إسرائيل»، كتتويج أساسي لمصالح «الاحتكاري الأكبر» الولايات المتحدة الأمريكية. واستمرت حروبهم فيما بعد ضمن شكل «بارد» رئيسي، بين (1950- 1990) تقريباً. وبعد فترة قصيرة من انتهاء هذه المرحلة تمثل التتويج الأساسي لمصالحهم بتفكك الاشتراكية الشيوعية، بشكلها السابق. لينتهي العقد الأخير من القرن الماضي في حالة تشبه هدوءَ ما قبل العاصفة، في حينه تحسَّسَ لهذه الحالة أطفالُ فلسطين أكثر من غيرهم، وهنا ظهر على مسرح التاريخ الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1993 - 1987) والتي عرفت بأنها انتفاضة الحجارة. وتجدر هنا الإشارة بأن الانتفاضة الفلسطينية الأولى لم تكن فلسطينية فحسب، إنما كانت تعبر عن بدء صعود الطور العام للحركة الشعبية العالمية، وهذا الأخير طبيعي أن يكون خطه البياني متعرجاً، ففي أحيان قد يصيبه الكسرات لفترة زمنية معينة، وفي أحيان أخرى قد تتثبط حركته للحظة، لكنه في طور حركته العامة هو صاعدٌ. صاعدٌ. صاعدٌ. وعليه حصلت الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 - 2005، وأعادت الأمل من جديد برؤية ملموسة لصعود الحركة الشعبية العالمية، وما حدث في 7 تشرين الأول، كان مفاجأة كبرى، ليس على الوعي الاعتيادي، فحسب، إنما أيضاً على وعي بعض الحركات التقدمية التي كانت تتوقع حصول انتفاضة ثالثة.
إن الحرب، أي الهجوم هو الانتفاضة الثالثة، والهجوم يعني قبل أي شي أن حركة التاريخ معنا وليست ضدنا، والحركة الشعبية العالمية تتحرك وفق أمل جديد يعيد خط مسارها إلى وضعه السليم، تحديداً بعدما عاشت فترة من اليأس والإحباط من جراء بعض الكسرات التي حصلت في منطقتنا بشكل خاص في العقد الماضي.
إن القرار التاريخي الذي اتخذته المقاومة الفلسطينية عبر إطلاقها لمعركة طوفان الأقصى ضد الاحتلال «الإسرائيلي»، هو قرار قبل أي شيء يعبر عن رؤية عميقة لحركة التاريخ، ويترابط جذرياً مع القرار التاريخي لرمز الثورة الشعبية يوسف العظمة، عندما خاض معركة وجودية ضد الاستعمار الفرنسي في معركة ميسلون عام 1920، وليس من فراغ أن الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش قد بدأت عام 1925، ولسنا بمجازفين إذا قلنا بأن هناك ثورة كبرى جديدة ضمن المنظور القريب... ولكي «نمشي ونكفّي طريق الأوائل» لا بد لنا من أنْ ندرك حقيقة أننا لسنا جيلاً قديماً ولا جيلاً جديداً، وإنما نحن جيلٌ انتقاليّ، ومسؤوليّتنا أكبر من مجرّد «تسليمٍ واستلام»، لأنّ العالم الجديد لن يولد سليماً إلّا بخوض الصراع، وفق أعلى درجة من التنظيم وأعمق حالة من الصبر.
ربما علت أصوات الاستهجان عندما قرر يوسف العظمة أن يواجه فرنسا التي تعد في حينه من القوى العظمى بعد الحرب العالمية الأولى، وعليه قال، إني أعرف ما يجب عليّ وساقوم بواجبي ولست آسفاً على نفسي، بل أسفي على الأمة التي ستظل سنوات كثيرة أو قليلة هدفاً لكل أنواع المحن والمصائب، وإني مطمئن إلى مستقبل الأمة لما رأيته وخبرته بنفسي، من قوة الحياة الكامنة فيها.
بكلمة أخرى أي إنه ليس هناك حالياً توازن بين المقاومة والكيان الصهيوني بالمعنى العسكري، فالكيان متفوق عسكرياً بمعنى حيازته للسلاح النووي والمتطور والمتقدم تقنياً، وهو ما يشابه حال معركة ميسلون عندما كان التوازن مفقوداً بالمعنى العسكري، لكن القوة أكبر من مفهوم التوازن العسكري، إنها معركة مصير الشعوب.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1147