نفذ ثمَّ استمتع!
شركة «العب جيداً» (LEGO) المشهورة في تصنيعها للعبة تركيب مكونة من قراميد ملونة بلاستيكية على شكل متوازي مستطيلات أو مكعبات، يلعب بها الأطفال بدعم من مخططات للّعبة ذاتها في بناء مجسَّمات ضمن أشكال مسبقة الصنع. سألت هذه الشركة في نهاية تعريفها عن نفسها عبر قناتها الرسمية على منصة يوتيوب: هل تعلم أنه وسطياً، كل شخص على هذا الكوكب يملك 90 قرميدة بلاستيكية مصنوعة من قبل LEGO؟ استمر بالبناء. استمتع!
سنجيب عن سؤالهم على الرغم من أنهم قد استخدموا معنا إحدى أدوات الاستفهام الصارمة التي تقيّد التفكير بإعطاء إجابة ضيقة بين حدين متناقضين (نعم - لا). إجابتنا هي: نعم، لدينا علم بذلك، لكن من قال لكم أننا منذ البداية موافقون على ألعابكم تلك!
مقدمة هذه المادة الصحفية القصيرة قد تعطي انطباعاً أننا مبالغون في تسليط الضوء على مجرد تفصيل بسيط مكون من قرميدة بلاستيكية مصنوعة من شركة (LEGO) يلعب بها الأطفال منذ حوالي السبعين عاماً. لذلك اسمحوا لنا بدعوتكم لمتابعة قراءة المادة بالنظر إلى هذا التفصيل الصغير ضمن سياقه التاريخي.
تأسست شركة (LEGO) في عام 1932 لكنها لم تصل إلى السوق العالمية إلا بعدما أدخلت ألعابها ضمن السيستم (المنظومة الرأسمالية) على حسب تعبيرهم في مقطع فيديو نشروه السنة الماضية يلخّص مسارهم خلال 80 عاماً. لكننا نعتقد أنّ الحاجة الضرورية للبناء بعد الحرب العالمية الثانية قد أعطت الشركة الإمكانية كي تحتل مساحة كبيرة في سوق ألعاب الأطفال عبر تنفيذ فكرتهم من خلال المجهود المسلوب للعمال في مصانعهم. وإذا صح التصويب فإنّ المفصل الأساسي الذي نقترحه للمسألة، ليس شركة (LEGO) بالتحديد، إنما آلية عمل منظومة رأسمالية، ولعبة التركيب هي مجرد مثال لتسليط الضوء على مسألة تقييد الإبداع والخيال، فعندما ينمو الأطفال داخل هذه المنظومة، وهم ينفّذون تعليمات ورقة وضع فيها مخطط لشكل مجسَّم مسبق الصنع، سيصل الأطفال له في نهاية المطاف وهم يضعون المكعَّب فوق المكعب، يمكننا القول: إنّ إحدى سمات الرأسمالية تتجسد في تأطير الإبداع، وتحجيم الخيال.
نعتقد أنه من خلال الفن يمكننا تلمّس التحول النوعي في سيرورة تطور الرأسمالية، وربما فيلم الأزمنة الحديثة (1936) للممثل تشارلي تشابلن يمكن أن يكون نقطة علام لرؤية هذا التحول النوعي من تشكيلة اقتصادية رأسمالية عملت في بدايات ولادتها داخل أحشاء الإقطاعية على تطوير عمل الدماغ البشري من خلال تطويرها للقوى المنتجة والعلاقات الإنتاجية التي نشأت عنها، إلى أن وصلت اليوم لتصبح منظومة احتكارية ليست ضاغطة على النمو الطبيعي للدماغ البشري فحسب، إنما أيضاً على كافة عناصر الطبيعة. «فإن أية خطوة إلى الأمام تقوم بها الرأسمالية في مجال تطور القوى المنتجة هي خطوة للوراء بالنسبة للإنسان وبالنسبة للطبيعة - فريدريك أنجلس».
إنها مجرد قرميدة بلاستيكية دخلت بيوت قسم كبير من الأطفال في المركز الرأسمالي أولاً، ومن ثم انتشرت في أماكن كثيرة بالكوكب حتى وصلنا إلى يومنا هذا وأصبحت ذهنية نعيش ضمنها، لدرجة أن الفن الذي كان عصياً على يد الرأسمالية في مكننته خلال القرن التاسع عشر أصبح واقعاً اليوم، إنّ القسم الكبير من الإنتاجات الفنية عبارة عن قوالب مسبقة الصنع ينفّذها الفنانون على اختلاف تخصصاتهم. وربما أكثر نموذج فاقع يمكن رؤيته اليوم عن القوالب الجاهزة هو الدراما التي صنعتها الولايات المتحدة الأمريكية، وكأن الكاتب الألماني جيرهارت هاوبتمان (1862 – 1946) ترك لنا وصية عبر مقولته:
«الدراما ليست نتيجة جاهزة للفكر بقدر ما هي عملية التفكير ذاتها».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1105