احذروا من بائعي الموت في بيوتكم
لؤي محمد لؤي محمد

احذروا من بائعي الموت في بيوتكم

تكمن خطورة لعبة كول أوف ديوتي Call of Duty اليوم في أنها تربي أجيالاً كاملة من الشباب، تجعلهم عنيفين ومدمنين مخدرين إلكترونياً. وتتحدث العديد من وسائل الإعلام عن هذا الدور التربوي الخطير لأصحاب اللعبة. بينما تقول وسائل الإعلام الرأسمالية: لا يوجد دليل على أن ألعاب الفيديو تولد عنفاً حقيقياً.

ولكن دور هذه اللعبة أخطر من الكلام أعلاه، فليس العنف وحده هو رسالة اللعبة. لأنها مدرسة يومية احترافية للسياسة الأمريكية. ويبدو في الظاهر أن هذه اللعبة تتعلق بإطلاق النار وبالحرب والسلام في العالم الافتراضي. ولكن للعام التاسع عشر على التوالي مع صدور النسخة الجديدة من اللعبة، ظهر فيها ما يريده الأمريكيون أن يحدث في بعض البلدان.
تبدأ اللعبة بنسختها الجديدة «الحرب المعاصرة 2» بجريمة حرب تدور أحداثها في الماضي القريب جداً. حيث يجب على اللاعب قيادة صاروخ عبر وادٍ صحراوي بعيد لاغتيال جنرال إيراني يُدعى غرباني. وقالت بعض وسائل الإعلام: من الواضح أنها إشارة مستترة إلى اغتيال الجنرال قاسم سليماني في هجوم بطائرة مسيرة عام 2020 بأمر من دونالد ترامب.
وتحاكي اللعبة أيضاً ما تفعله الوحدات الخاصة الأمريكية الخاصة التي تريد أن تمنع الحرب العالمية الثالثة في بعض البلدان. مع أن أحداث العقود الثلاثة الأخير تكشف أن الأمريكيين كانوا يدفعون إليها دفعاً.
وهناك أيضاً قصة إرسال حملة الرحلات البحرية الافتراضية لمطاردة أعضاء عصابات المخدرات المكسيكية على طول الجدار الحدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك، والذي يتضمن استخدام بندقية هجومية ضد المدنيين في تكساس. وتحول اللعبة أيضاً حياً سياحياً في أمستردام إلى منطقة حرب من أجل القبض على بعض الإرهابيين.
بالنظر إلى الدرجة العالية من محاكاة مشاهد العنف والقتل، ليس من المستغرب أن يرد العديد من الصحفيين بإلقاء الشتائم اتجاه اللعبة. ولكن هذه الشتائم بقيت ضمن نفس المحادثات الضحلة التي لم تستطع تحديد الرسائل الإعلامية وتأثيرها على اللاعبين.
الشيء الأكثر ضرراً في اللعبة هو التعامل مع السياسة العالمية وفق ما يريده الأمريكيون وتربية الشباب على العنف، وإبقاؤهم في حالة الإدمان على اللعبة. وهي ليست وحيدة في هذا المجال، بل توجد نسخ عديدة لهذه المدرسة الحية على القتل والحرب مثل لعبة بوبجي وغيرها. كما تجني الشركات من ذلك حجماً كبيراً من الأموال، من الشركة المالكة حتى شركات الاتصالات في بلدان الجنوب الفقير التي تعمل كوكيلة للعبة حتى في حالة وجود عقوبات أمريكية بحق البلد الذي تعمل فيه!
في صباح عيد الميلاد قبل عشر سنوات، نقلت الصفحة الأولى لصحيفة نيويورك تايمز خبراً كان تسويقاً مباشراً للبنادق والسكاكين إلى اللاعبين تحت اسم ميدالية الشرف من أجل أن يتمكن أي شخص من إطلاق النار من بندقية هجومية تحمل علامة تجارية في العالم الافتراضي. وكتبت صحيفة نيويورك تايمز بأن ذلك كان صالة عرض للأسلحة الواقعية.
بالإضافة إلى التسويق المباشر للأسلحة الفردية. كان ذلك تعليماً عسكرياً نظرياً بالطرق الحديثة. إذ يربي أصحاب اللعبة جنوداً ومرتزقة بهذه الطريقة وعلى حساب الناس أيضاً. ويعرف عن محبي هذه اللعبة في الولايات المتحدة بعد فترة من اللعب، بأنهم يعودون إلى المنزل أو المدرسة مع بندقية. وآخرون يرتكبون الجرائم. لقد أصبح هؤلاء الرماة الافتراضيون مجرد أداة تسويقية علنية لبائعي الموت في صناعة الأسلحة النارية. أما الدعاية السياسية في اللعبة، فتتركز حول الجيش الأمريكي الذي لا يتعرض لهزيمة كبيرة هناك. وكل ذلك مدرسة لاستخدام الأسلحة في العالم الواقعي. وقالت بعض وسائل الإعلام أن 400 مليون شخص يلعبون هذه اللعبة حول العالم.
يلعب 90% من الأطفال بهذه الألعاب في المنزل، وتجري تربيتهم على أن الجيش الأمريكي لا يستسلم، ويجري تدريبهم نظرياً على قيادة وحدات صغيرة على أسلوب المرتزقة غير الرسميين. ورغم ذلك ينفي المسؤولون وجود علاقة للعبة بالحروب الأمريكية. فجشع الشركات الرأسمالية يصنع الجحيم بتشابك كبير بين مختلف القطاعات، من المجمع الصناعي العسكري إلى الألعاب إلى الدولار .... إلخ.
من ناحية أخرى، أسس العمال والموظفون في شركة كول أوف ديوتي نقابة عمالية في أيار الماضي، ولكن الشركات أفشلتهم وانتقمت منهم قانونياً. وفي اللعبة ذاتها يجري التعاقد الافتراضي لأي عمل بدون تعويض وحقوق ليجري التسريح بسهولة، وهذه نقطة أخرى لم يجرِ بحثها.
كما أن اللعبة صناعة رأسمالية تبلغ أرباحها 67 مليار دولار وتتضمن المعاملات داخل اللعبة دفع أموال حقيقية لشراء سلع رقمية لاكتساب ميزة تنافسية، وتقول الإحصائيات الإعلامية أن ما يقارب 40 % من مبلغ 5.1 مليار دولار المذهل لشركة Activision Blizzard في عام 2021 جاء من مشتريات اللعبة الرقمية.
تم تصميم هذه الألعاب والمعاملات الدقيقة عن قصد لمحاصرة اللاعبين نفسياً في دائرة من الإدمان. في عام 2019، اعترفت منظمة الصحة العالمية بـ «اضطراب الألعاب» كحالة صحية عقلية، وأضيف ذلك رسمياً إلى التصنيف الدولي للأمراض هذا العام، حيث يقدر عدد المدمنين بستين مليوناً، ووفقاً لأحد التقديرات. يلعب نصف جيل الألفية بهذه الألعاب لأكثر من ثماني ساعات في اليوم، وما يقرب من ربعهم يلعبون أكثر من ثلاث عشرة ساعة في الأسبوع، وهو رقم زاد منذ أن أدت عمليات الإغلاق الوبائي إلى تحفيز المزيد من الوقت للشاشة.
وتتزامن هذه الأرقام مع تدهور الصحة العقلية وزيادة معدلات الاكتئاب بين الشباب، فضلاً عن تدهور مؤشرات الصحة البدنية. وأصبح اللاعبون معزولين بشكل متزايد. وعلى الرغم من أن ألعاب الفيديو توفر في كثير من الأحيان إلهاءً ممتعاً وطريقة ملائمة للتواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، فإنها غالباً ما تعمل كمخدر مؤقت يضحي بالصحة الجسدية والعقلية، ويبعد الإنسان عن الحياة الواقعية من أجل صداقات الألعاب عبر الإنترنت.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1101
آخر تعديل على الخميس, 22 كانون1/ديسمبر 2022 14:47