الحرارة الإعلامية في المواجهة المكشوفة
لؤي محمد لؤي محمد

الحرارة الإعلامية في المواجهة المكشوفة

رفعت الإمبراطوريات الإعلامية الرأسمالية من حرارة المواجهة الإعلامية مع النموذج البديل الذي تخاف منه. وانتقلت هذه المواجهة إلى درجة مباشرة مكشوفة في السينما والإعلام بمختلف اللغات إلى مستوى كبير يختلف عن المستوى السابق الذي كان يعتمد على المواجهة غير المباشرة.

ويبدو من اللهاث الرأسمالي الشديد لتحطيم هذا النموذج القادم في كل بلد، أنهم أصبحوا مستعجلين جداً للمواجهة في كل بقعة من الأرض، بالتوازي مع ارتفاع حرارة المواجهة السياسية والعسكرية الحالية. ورغم أن النموذج الذي يحاربونه لم يتبلور بعد في العديد من البلدان التي تناولها المستوى الجديد من الهجوم الإعلامي، كان الرأسماليون في هذه النقطة يسرعون الخطا لإزالة الأقنعة التي كانوا يستخدمونها سابقاً في الأفلام السينمائية والوثائقية والمسلسلات. ولم يوفروا جهداً لتحطيم الشبح الأحمر الذي يخيم على أوروبا للمرة الثالثة منذ القرن التاسع عشر.

إسبانيا

كانت الجمهورية الإسبانية لأعوام 1936-1938 مادة للهجوم الإعلامي والسينمائي، ففي إسبانيا تخاف الرأسمالية مما حدث في إسبانيا الثلاثينيات، وهي غير قادة على توجيه القصف الإعلامي نحو إسبانيا المستقبل كما يبدو، لأنها غير قادرة على تصورها بدقة، لذلك توجه النار نحو الماضي، نحو ما شكل تهديداً لوجودها في وقت سابق: الجمهورية الإسبانية والجبهة الموحدة ضد الفاشية التي لعب الشيوعيون دوراً كبيراً فيها. وظهرت مواد إعلامية كثيفة للنيل من قادة تلك التجربة باستخدام مختلف أشكال تزوير التاريخ وتسخيف القضايا السياسية بالطريقة الهوليودية.

إيطاليا

يوم النصر في إيطاليا عام 1945 هو الهدف الذي توجه إليه الإمبراطوريات الإعلامية نيرانها في الوقت الحالي بطريقة مكشوفة ومباشرة. إذ كانت المواد الإعلامية والسينمائية هنا تدافع عن الفاشية مباشرة، وتقلب الصورة التاريخية التي حدثت رأساً على عقب، وأصبحت المقاومة الإيطالية المعادية للفاشية التي حررت إيطاليا، وبينهم الشيوعيون، هم المجرمون، والفاشيون هم الضحايا. وذلك في دفاع مباشر عن أعضاء الحزب الفاشي عبر تصويرهم على أنهم «أبرياء مما نسب إليهم».

البرتغال

في العام 1974 سقطت الديكتاتورية العسكرية في البرتغال تحت ضربات الجبهة الموحدة التي ضمت الحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي والكنيسة والجيش. واستيقظت البرتغال في نيسان 1974 مع شوارع مليئة بالأعلام الحمراء وهي تعلن نهاية نظام قد نشأ في فترة صعود الأنظمة الفاشية خلال ثلاثينات القرن العشرين. وأصبحت هذه اللحظة نقطة توجيه نار الإمبراطوريات الإعلامية الكبرى بمختلف الأشكال: التسخيف الإعلامي، الكوميديا والسخرية، الهجوم والتشويه المباشر.

فنلندا

ثورة السوفييتات الفنلندية لعام 1918 هي النقطة التي وجه الإعلام الرأسمالي نيرانه عليها بكثافة في الفترة الأخيرة. وظهرت الأفلام السينمائية التي تتناول الثورة الفنلندية من وجهة نظر الملكيين البيض الذين قمعوها. فالشبح الأحمر هو من يخيف الرأسمالية في فنلندا حتى اليوم، رغم عدم قدرة الرأسمالية نفسها على توجيه النار نحو فنلندا القادمة لأنها غير قادرة على تصورها بدقة، وهي تعتقد بأن التجربة القادمة ستكون مثل تجربة عام 1918. لذلك توجه جهودها نحو نسف الماضي الذي تعرفه في إطار محاولاتها لمنع المستقبل الذي لا تعرفه إلا بشكل عام فقط: فنلندا الحمراء.

أوكرانيا

أخذت أوكرانيا حصة جيدة من الأفلام السينمائية والوثائقية والمسلسلات والمواد الإعلامية في إطار التحضير للمواجهة السياسية والعسكرية الحالية. وكان منتجو تلك الأفلام حريصين جداً على توجيه النار نحو ثورة أكتوبر عام 1917، ونحو بلاشفة أوكرانيا الذين حرروا بلادهم من الاحتلال الألماني والأوكرانيين البيض عام 1918، وعلى الذين حرروا أوكرانيا وأراضي الاتحاد السوفييتي من النازية في الأربعينات. ومثل إيطاليا، كانت المواجهة مباشرة حول أوكرانيا، إذ وقفت الإمبراطوريات الإعلامية بشكل مباشر ومكشوف مع الفاشية بدون استخدام الأقنعة والخدع الإعلامية المعتادة. فأصبح من كان مجرماً فاشياً وعميلاً للإمبريالية الأمريكية مناضلاً، وجرى تصوير المناضلين الحقيقيين كمجرمين.

كوريا

أخذت المواجهة في كوريا طابعاً آخر وباستخدام الأدوات الجديدة: نتفلكس وأخواتها. حيث أنتجت نتفلكس «النسخة الكورية» من المسلسل الذي أثار جدلاً كبيراً: بيت من ورق «LaCasa De Papel».
وتفترض النسخة الجديدة من روبن هود المعاصر حدوث وحدة بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، ونشوء منطقة اقتصادية موحدة على الحدود. وتتطابق أحداث النسخة الجديدة مع القديمة في الأحداث بشكل كبير، مع اختلافات تخص كوريا. وينطلق هذا المسلسل من قيام منظمة من المجرمين الأذكياء بسرقة دار سكّ العملة وإرباك سلطات كوريا الشمالية والجنوبية على حد سواء لدرجة تعاون البلدين للقضاء على هؤلاء المجرمين. كما انطلقت النسخة الجديدة الكورية من انتقاد الرأسمالية وطرح الحلول الروبنهودية مثل النسخة القديمة الإسبانية.
ماذا تريد نتفلكس من كوريا؟ أو ماذا يريد من يحرك هذه الأداة من كوريا؟ أو الكوريتين معاً؟ فالوحدة المفترضة في هذا المسلسل قائمة على تفضيل الوضع الكوري الجنوبي على الوضع الكوري الشمالي رغم وجود انتقاد للإثنين معاً. فهذه النسخة من المسلسل الذي سيثير جدلاً كبيراً أيضاً مثل النسخة السابقة يدل على أن نتفلكس وسادة نتفلكس سيستخدمون كوريا في مشاريعهم التفجيرية الحالية، أو على الأقل يدل اهتمام الأمريكيين السينمائي بتلك البقعة من الأرض بأنهم يحضرون لشيء ما، وهم المشهورون بذلك.

سكوتلندا

سكوتلندا بلد صغير في أوروبا، في بريطانيا بالتحديد، ولكنه بلد كبير من حيث الحصة السينمائية عند الأمريكيين بشكل غريب يدعو إلى الشك في نوايا وأهداف الأمريكيين داخل بريطانيا الغارقة في الأزمات.
وهذه القضية ليست جديدة في مجال السينما، إذ تعود إلى تسعينات القرن الماضي، والقاسم المشترك بين جميع الأعمال السينمائية والدرامية التي تناولت تاريخ سكوتلندا، هو حشد الناس وراء فكرة الحرب مع الإنكليز!
هل يجب أن نقول إن تلك الأفلام والمسلسلات مجرد فن، أم أن الأمريكيين يحضرون لشيء ما في بريطانيا؟ لشيء عنيف قد يصل إلى درجة إشعال الحرب الأهلية؟
تطورات الأيام القادمة كفيلة بإعطاء الجواب على هذا السؤال. وكل ذلك يأتي في إطار تصاعد الأزمات حول العالم، ولهاث الرأسماليين لإيقاف ما يخافون منه: الشبح الأحمر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1090