خطوط تطور اللغة البشرية

خطوط تطور اللغة البشرية

يحاول علماء الآثار وعصور ما قبل التاريخ في الجامعات العالمية منذ 100 عام على الأقل تحديد الفترة التاريخية التي عرف فيها الإنسان النطق والكلام استناداً للدراسات والاكتشافات.

وهكذا ورد في كتاب عصور ما قبل التاريخ:
«قد يكون الهوموهابيل استخدم الحركات والأصوات من أجل إيصال ما يريد، إلا أن الهوموأركتوس كان يملك لغة صوتية كافية للتخاطب ولنقل معارفه. وتجري الآن دراسات على الجماجم العائدة لهذا الإنسان لتحديد مدى تطور مراكز النطق في المخ مع أننا لا نعتقد بأن مثل هذه الدراسات سوف توصلنا بسرعة إلى نتائج مفيدة. وفي كل الأحوال تعد الأدوات والأسلحة الحجرية ذات الأشكال المتعددة والمنتظمة، الدليل الأبرز على وجود لغة تعلم بوساطتها الأبناء من الآباء فكرة تصنيع الأدوات وطريقتها، وتناقلها الناس من جيل إلى آخر. د سلطان محسين، عصور ما قبل التاريخ، جامعة دمشق 2008، ص 108».
أشار فريدريك أنجلز إلى أن العمل قد لعب دوراً محورياً في نشوء اللغة، وأشار أيضاً إلى ظهور النطق في الطور الأدنى من الوحشية، أي في مرحلة طفولة النوع البشري، وكان نشوء النطق أهم إنجاز يميز الطور الأدنى للوحشية بصفته أقدم أطوار الحضارة البشرية. «فريدريك إنجلز، أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة. فريدريك إنجلز، دور العمل في تحول القرد إلى إنسان».
تطورت اللغة البشرية منذ أقدم العهود المعروفة حتى اليوم بعدة أشكال لا نستطيع معرفتها جميعها اليوم، ولكن نستطيع معرفة صورة أولية عنها من خلال إجراء مقارنة بين بعض أشكال اللغات التي بقيت حتى اليوم.
تعيش في محميات بشيشوانغباننا الطبيعية في الصين قبيلة بدائية جداً، وهم لا يعرفون لغة مثل اللغات البشرية الموجودة حالياً. بل يستخدمون شكلاً بدائياً للتواصل. فهم يضربون على أفواههم عند تقديم التحية في شكل مزيج للتواصل بين الإشارات والأصوات. يسمي الصينيون هذه القبيلة باسم «كهمو» أو «شبه الطائر» لأن أفرادها يعيشون مثل الطيور، ولا يتجاوز عددهم 1000 فرد. «آخر بقايا 10 قبائل صينية، شبكة الصين، 5 آب 2011».
يستخدم ذوو الاحتياجات الخاصة لغة غير صوتية تسمى لغة الإشارة. وفي جزيرة لا غوميرا، وهي جزيرة صغيرة في جزر الكناري في إسبانيا، هناك لغة لا تستخدم أية كلمات. السيلبو أو لغة الصفير، وهي وسيلة اتصال بواسطة الصفير تستخدم في المناطق الريفية والمعزولة. بينما يستخدم مزارعو الجبال الشمالية في إيران وتركيا لغة قائمة على الصياح للتواصل بين سكان الجبال. كما يتكلم غجر بلاد ما بين النهرين في سورية والعراق لغة تسمى لغة العصافير لأنها أصواتها تشبه أصوات العصافير. وتوجد قبائل بدائية في إفريقية يتكلمون بلغة بدائية تعتمد على النقر مثل الطيور.
تقدم لنا أشكال اللغات أعلاه صورة عن أشكال النطق واللغة البدائية، ولكنها ليست صورة كاملة بالتأكيد، وقطعت اللغة البشرية طريقاً طويلاً حتى وصلت إلى الشكل الذي نعرفه اليوم عن قوام اللغة.
كذلك فإن استخدام الأدوات الطبيعية وأدوات العمل قد أدى إلى تطور الدماغ. وبالتدريج أخذ النشاط العملي أكثر فأكثر يتحول من شكل غريزي إلى عملية واعية.
ونتيجة لتراكم الانطباعات عن الطبيعة المحيطة بالإنسان وتجمع العادات خلال عصور طويلة، أخذ دماغ الإنسان يعمم الظواهر ويربطها بسلسلة منطقية من التفكير، وبدأ الإنسان يتنبأ بسلسلة أعماله، ويدرك الطبيعة المحيطة به ويعرفها، وفي مجرى العمل والتأثير النشيط في الطبيعة، كانت تتطور كل عضوية الإنسان وعقله.
وفي سياق النشاط العملي نشأ وتطور النطق المفصل الواضح عند الناس، إن مقدرة الإنسان على التفكير الذي لعب العمل دوراً كبيراً في ظهوره قد لعب في ظهور النطق لنقل كلامه إلى الآخرين، ونقل تجربة العمل إلى الآخرين. وبرز لدى الناس في سياق النشاط العملي الحاجة إلى التعارف وتبادل الخبرات.
وكانوا في البداية يستعملون الصيحات المرتبكة بأفعال الناس وعملهم، وبالتدريج كانت هذه الصيحات تترسخ في ذاكرة الناس وفي وعيهم. وأدى تطور النشاط العملي إلى تميز الصيحات. وتحولت الحنجرة غير المتطورة تدريجياً إلى عضو قادر على التلفظ بأصوات مفصلة. وهكذا ونتيجة للنشاط العملي خلال عهد مديد، نشأ بصورة تدريجية الكلام المفصل، أي اللغة. وصارت اللغة واسطة لتبادل الأفكار بين الناس. وساعد ذلك على توحيد الجهود في العمل وتنظيم العمل الجماعي. «عرض اقتصادي تاريخي، ص 8 _ 11».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1089