كلاسيكيات السينما
على رغم صعوبة عقد القران ما بين السينما والتلفزيون، نظراً لاختلافهما الجوهري، وهما القادمان من منبت واحد، إلا أن البرامج التلفزيونية التي تسعى في هذا الصدد لا تتوقّف. ثمة الكثير من المحاولات التي فشلت، وثمة الكثير من البرامج التي تحاول بعناد دؤوب تقديم الجديد، والإلحاح على النجاح، مؤمنة أن لا بد للمشاهد التلفزيوني الحقيقي من ثقافة سينمائية. هذا واجب وحق، في آن معاً.
وما بين وقت وآخر، نجد أنفسنا أمام عنوان جديد لبرنامج تلفزيوني همّه وغايته سينمائيّان. تحدثنا هنا من قبل عن «ديوان السينما» الذي يقدّمه خميس الخياطي أسبوعياً على شاشة «تلفزة تي في» التونسية، ويحدثنا الآن منصور الديب بحماسة عن برنامج «كلاسيكيات السينما» الذي يعدّه على شاشة «سوريا دراما»، في محاولة منه لعقد الصلة ما بين الشاشتين الصغيرة والكبيرة، والمشاهد المتمترس في كل وقت أمام الصغيرة، وقد غابت الكبيرة عن شوارع المدينة السورية، وأُغلقت أبواب صالاتها.
يذهب «كلاسيكيات السينما» في اتجاه مختلف تماماً عن «ديوان السينما». «لن أستضيف مهنيّي المهنة»، يقول خياطي، بينما يقوم «كلاسيكيات السينما» على «استضافة مهنيّي المهنة تماماً». وإذ يعرض الـ «ديوان» فيلمه السينمائي كاملاً، ومن ثم ينظر في رأي آخرين بصدده، مستفيداً من وقته الطويل (120 دقيقة)، لا يقوم الـ «كلاسيكيات» بذلك، إذ أن مدته القصيرة (30 دقيقة) لا تسمح إلا بعرض مقاطع، أو مشاهد، أو لقطات، لتترك للتعليق الصوتي، والمداخلة النقدية التي يتولاها غالباً مخرج أو ناقد سينمائي، استكمال المعلومات المستهدفة حول الفيلم المقصود.
تناول «كلاسيكيات السينما» حتى الآن العديد من الأفلام السينمائية التي تُعتبر من ذرى النتاج السينمائي العالمي، بدءاً من «روما مدينة مفتوحة»، لروسيلليني، والتي تحدث فيها المخرج المهند حيدر، مروراً بأفلام مثل «المدرعة بوتومكين»، لإيزنشتين، والتي تحدّث عنه المخرج والناقد محمد قارصلي.
يحاول «كلاسيكيات السينما»، على ما يقول منصور الديب، العثور على شكل جذّاب للبرنامج التلفزيوني، الذي يقدّم المعلومة والفكرة والرؤية، بصدد أفلام قادمة من زمن الأبيض والأسود، والعقود الماضية، بطريقة تستفيد من الإمكانيات الحديثة للعرض، ومن هنا يبدو الدور المؤثر للمونتير (بلقاسم بلاط)، في صياغة بنية البرنامج بطريقة سلسلة متناغمة، ما بين الصورة والصوت والفكرة والمعلومة والرأي النقدي، من دون أي تنافر. وتبدو عنايته، بالتعاون مع المخرج (حازم عبدالله)، على إضفاء بيئة لونية متناسقة، عبر مؤثرات بصرية، ما بين الصور القديمة، التي يعود بعضها إلى مطالع القرن الماضي، والصور الحديثة التي يقوم البرنامج بإنشائها، فيما لا خلاف إطلاقاً على أهمية ما تناوله البرنامج من أفلام تُعتبر من دون شك من عيون الإبداع السينمائي، عالمياً وعربياً، يحتاج المشاهد التلفزيوني معرفة شيء عنها.
المصدر: الحياة