سحقاً للمنتج الوطني
عندما كنت صغيرة كانت جدتي تقول لي: «ثوب العيرة ما بدفي يا بنتي» لم أفهم تحديداً ما كانت تقصده جدتي آنذاك لأن أمي كانت تخيط لنا الثياب دائما، ولا أتذكر بأنني قد ارتديت ثياباً مستعارة من أحد، لكني مع الوقت فهمت القصد لا بمعناه الضيق بل بالمعنى الشمولي بما شملته حياتنا من دخول ثقافة الآخر التي هزت عرش ثقافتنا بأهم ما فيها اللغة (لتفهم عدوك عليك أن تفهم لغته)، اندمجنا مع الآخر بلغته وطريقته وأسلوب حياته بل أصبحنا لا نتوقف عن استخدام عباراتهم من (hi إلى ما شاء الله) وحشرها بحديثنا لنلفت نظر الآخر (الأخ ـ الزميل ـ الصديق ـ الأب ...الخ)، أو لنبرهن لأنفسنا على الأقل أننا مع الركب الحضاري ولطالما الموضة الغربية بكل ما فيها تفرد جناحيها على العالم بأكمله (سيطرة الثقافة الواحدة) .
يقول توماس تراهيون: عبوديتنا ناجمة من العادات والآراء الخارجية عشر مرات أكثر من كونها ناجمة من فساد أو نقص في الطبيعة، ويفسر التحليل النفسي هذا الأمر بان الإنسان يلجأ إلى إظهار نقاط قوته أمام الآخر ليثبت ميزته الشخصية ويشعر بالتفوق حتى وإن كان ذاك الأمر على حساب لغته ـ ثقافته ....الخ
علم النفس يرصد حالة أخرى شبيهة بتلك وهي «القدوة» يلجأ الإنسان إلى اختيار قدوة ليعلي من نقاط قوته ويربط تفوقه بتفوقها (فنانين ـ رسامين ـ سياسيين ـ مفكرين ـ موسيقيين... الخ).
أما الأخطر من كل هذا هو الشعور بالدونية واستحضار شيء ما خارجي لنشعر بتفوقنا أو بمسايرتنا للعصر، معجون حلاقة عالمي ـ شامبو، قهوة، بيبسي، كوكاكولا.....الخ.
ونلحظ في هذا الزخم العولمي الثقافي الوحيد الاتجاه استغلال الفنانين العرب الذين يشكلون قدوة بمعنى ما للقيام بترويج المنتجات العالمية.
على سبيل المثال (نانسي عجرم كوكاكولا ـ نجوى كرم لوريال باريس ـ عمر دياب ببسي... وتطول القائمة)، ولا ندري إن كان سبب قبول الفنانين ليكونوا سفراء للمنتجات العالمية هو الوصول إلى العالمية أو الربح المادي وأياً كان السبب فهو كارثة.
أما الشق الآخر الذي يستفز بطريقة مضحكة ومبكية في آن واحدة هي استخدام الكلمات الأجنبية وطباعتها على ملابسنا متباهين بها وبأغلب الأحيان دون أن نقرأ لأن همنا اللون والموديل ونوعية القماش والأهم الماركة.
المضحك في الأمر باستعارتهم اللغوية (تجار الألبسة) أنهم يكتبون بعض الكلمات الأجنبية بشكل خاطئ (frievds forever.......).
والمبكي أنهم ينقلون ثقافة الآخر (شعر ـ حكم ـ حب) عبر كلماتهم التي نحملها معنا نسير بها ونفتخر فيها وكأننا نخجل من لغتنا العربية إن طبعت على صدورنا أو بالأصح لا تشكل لغتنا لنا مصدر فخر.
قدوتنا وفخرنا هم بمفكريهم بشعرائهم بأفلامهم بصورهم ومناطقهم البيئة برج فرنسا مدينة نيويورك وغيرها (everything you me every seen of everything) وهلم جرا.
إننا شعب متعطش لقدوة أو رمز نقتدي به، وبسبب غياب رموز حقيقية وحالة الفراغ تأتي الثقافة المعولمة عبر سحرة عصر الثورة العلمية التكنولوجية «الفيس بوك والتويتر عبر شاشات التلفزة المبرمجة» لغسل عقولنا ومحو كل ما يربطنا بثقافتنا وتاريخنا ولغتنا.