حول المدرسة السوفييتية في التاريخ

حول المدرسة السوفييتية في التاريخ

لا يمكن حصر أو تقييم الأعمال التاريخية التي أنتجتها المؤسسات العلمية في الاتحاد السوفييتي في مقال صغير، إذ توجد آلاف الكتب التي نشرتها مختلف أكاديميات العلوم ومعاهد التاريخ والاستشراق ودور النشر والجامعات السوفييتية بمختلف اللغات منذ عشرينيات القرن الماضي.

وتتوزع تلك الأعمال بين الكتب التي تتناول التاريخ العام للمجتمع البشري، والكتب التي تتناول تاريخ كل بلد بمفرده، وكذلك تتوزع بين الكتب الجماعية الكبيرة، والكتب الفردية التي أمضى مؤلفوها زمناً طويلاً في إنجاز كتاب واحد فقط. وكان ذلك نتاج عمل عدد كبير من الأساتذة والعلماء والمؤرخين والمحررين.

أهمية الأعمال السوفييتية

تكمن أهمية تلك الأعمال التاريخية حتى اليوم في أربع نقاط رئيسية:
النقطة الأولى: الأعمال التاريخية السوفييتية هي أعمال تتعامل مع التاريخ كعلم وفق المفهوم المادي للتاريخ، وتجمع بين التاريخ العلمي التحليلي والتاريخ التوثيقي. وتقف بهذا الشكل على نقيض مع التاريخ الأسطوري والتاريخ الذي جرى اقتلاعه من سياقه وظروفه، لتقديمه على شكل حكايات فلان وفلان. وتقف بالتالي على نقيض مع التاريخ البرجوازي والتاريخ المزور على يد المؤسسات والجامعات الغربية.
النقطة الثانية: رغم التجاهل الأكاديمي العالمي لعدد كبير من هذه الأعمال، وخاصة من جهة المؤسسات والجامعات الغربية، تشكل هذه الأعمال حتى هذه اللحظة نقطة انطلاق لاستمرار تدوين تاريخ البشرية بشكل عام، وتاريخ كل بلد أو كل شعب على حدة. واكتشاف الجديد في هذا التاريخ. أي لم تفقد أهميتها المعرفية ولو أنها بحاجة إلى بعض التعديلات تتعلق ببعض الاكتشافات العلمية الجديدة، وستستند الاكتشافات القادمة والأعمال الجديدة على هذه الأعمال القديمة التي أنتجها السوفييت خلال القرن العشرين.
النقطة الثالثة: المدرسة السوفييتية في التاريخ هي استمرار لمدرسة ماركس وإنجلز ولينين الفلسفية بإنجازاتها الكبرى.
النقطة الرابعة: المدرسة السوفييتية في التاريخ هي استمرار لأعمال أفضل مؤرخي وعلماء العالم مثل عالم الآثار الأسترالي غوردن تشايلد الذي تبنى السوفييت أعماله، وكان الغرب جباناً في تبني كامل أعماله، فنشر نصفها، وشوش عليها بالأساطير البرجوازية، وتعمد تجاهل نصفها الآخر مبقياً عليها ضمن جدران علم الآثار فقط رغم الأهمية الفلسفية الكبيرة لأعماله في مجال الآثار والتاريخ. وقائمة هؤلاء المؤرخين تطول. وشكل بعض المؤرخين الغربيين الذين ساروا على نفس الطريق استمراراً للمدرسة السوفييتية في التاريخ مع بعض الملاحظات عليهم.

الأعمال التاريخية الجماعية

الأعمال الجماعية الكبيرة هي واحدة من مآثر العلوم السوفييتية بشكل عام، وفي مختلف المجالات. إذ كان يجري تكليف مجموعة من البروفيسورات أو المؤرخين أو الباحثين لإنجاز كتاب محدد يتكون من عدة مجلدات في أكاديميات العلوم ومعاهد التاريخ والعلوم ومختلف الجامعات السوفييتية.
استمر العمل طويلاً في بعض تلك الكتب، ويدل على ذلك حجم المادة العلمية الكثيفة التي تحتاج جهود كبيرة وسنوات طويلة، والتي لا يمكن أن يفعلها سوى العقل الجماعي العلمي.
ومن أبرز الكتب السوفييتية الجماعية حول التاريخ:
موجز تاريخ العالم، كتاب في ثلاثة مجلدات من القطع الكبير، من تأليف جماعة من المؤرخين السوفييت تحت إشراف البروفيسور أ.مانفرد. أكاديمية العلوم في الاتحاد السوفييتي، معهد التاريخ. ويقدم هذا الكتاب تاريخ البشرية منذ نشوئها حتى منتصف القرن العشرين بطريقة مختصرة، وعبر مقاطع ونصوص صغيرة ومتوسطة وفق المفهوم المادي للتاريخ، ويعطي هذا الكتاب خريطة بحثية تاريخية واسعة لمختلف البلدان والشعوب. «صدرت الطبعة العربية عن دار الفارابي في بيروت عام 1989».
عرض اقتصادي تاريخي، كتاب تعليمي على شكل سلسلة من المحاضرات التي وضعها عدد من الأساتذة السوفييت في منهاج «عرض اقتصادي تاريخي». ألقيت هذه المحاضرات في جامعة باتريس لومومبا للصداقة بين الشعوب للعام الدراسي 1960-1961 أمام طلاب من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية بمختلف اللغات. ومادة المنهاج الرئيسية هي تاريخ تطور المجتمع البشري خلال مختلف المراحل والتشكيلات، ويعتمد الكتاب بشكل رئيسي على دمج الاقتصاد والتاريخ لفهم تاريخ البشرية، فأحدهما يشرح الآخر ويكمله. يتكون الكتاب من جزأين من القطع المتوسط: تشكيلات ما قبل الرأسمالية، المجتمع الرأسمالي «صدرت الطبعات العربية عن دار التقدم في الاتحاد السوفييتي ودار الفارابي في بيروت».
موجز تاريخ الفلسفة هو كتاب في ثلاثة مجلدات من القطع الكبير، صدر في الاتحاد السوفييتي عام 1971 من تأليف جماعة من الأساتذة السوفييت والباحثين في تاريخ الفلسفة بتكليف من وزارة التعليم العالي في الاتحاد السوفييتي. ويعرض الكتاب تاريخ تطور الفكر الفلسفي وصراع الاتجاهات الفلسفية منذ نشوء الفلسفة. «صدرت الطبعات العربية عن دار الجماهير في دمشق ودار الفارابي في بيروت». واستند مؤلفو بعض الكتب الروسية الجديدة بعد العام 2008 حول تاريخ الفلسفة على هذا الكتاب كخريطة بحثية أو كمرجع.
ويضاف إلى تلك الكتب أعلاه ما أنتجه السوفييت من كتب حول تاريخ الشرق مثل: المدن الأولى لغولايف، الحروب الصليبية في الشرق لميخائيل زابوروف، تاريخ الأقطار العربية الحديث لفلاديمير لوتسكي، تاريخ الأقطار العربية المعاصر لمجموعة مؤلفين وغير ذلك.
ورغم الأهمية الكبيرة لما أنتجته البشرية خلال القرن العشرين والعقدين الماضيين من القرن الحالي، هناك الكثير من الفجوات العلمية التي يجب سدها، والكثير الذي يجب اكتشافه في المستقبل، وتشكل الأعمال السوفييتية مرحلة مهمة جداً في الوصول إلى الجديد في مجال العلوم والتاريخ خلال العقود القادمة في المستقبل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1070
آخر تعديل على الإثنين, 23 أيار 2022 13:56