الثورة الإيطالية المقبلة والحزب الاشتراكي
لقد كان تكتيك «البيان الشيوعي» التكتيك الذي أمن نجاح الاشتراكيين في أغلب الأحوال منذ سنة 1848.
«في مختلف مراحل التطور التي يمر بها النضال بين البروليتاريين والبرجوازيين يمثل الاشتراكيون دائماً مصالح الحركة بكاملها. إنهم يناضلون في سبيل المصالح والأهداف المباشرة للطبقة العاملة، إلا أنهم في الحركة الحالية يدافعون في الوقت نفسه عن مستقبل الحركة». ولهذا يشتركون اشتراكاً نشيطاً في كل من مراحل تطور النضال بين هاتين الطبقتين، دون أن تغيب عن بالهم أن هذه المراحل ليست غير درجات تؤدي إلى الهدف العظيم الرئيسي: إلى ظَفَر البروليتاريا بالسلطة السياسية كوسيلة لتحويل المجتمع. ومكانهم في صفوف أولئك الذين يناضلون من أجل إحراز أي نجاح مباشر في مصلحة الطبقة العاملة، ولكنهم لا يعتبرون جميع هذه النجاحات، سواء منها السياسية أم الاقتصادية، إلا بمثابة دفع بالتقسيط. لذلك يعتبرون كل حركة ثورية أو تقدمية خطوة في اتجاه طريقهم بالذات، ومهمتهم الخاصة، أن يدفعوا إلى الأمام الأحزاب الثورية الأخرى، وأن يذودوا عن مصالح البروليتاريا في حال انتصار أحد هذه الأحزاب.
إن هذا التكتيك الذي لا يغيب عنه أبداً الهدف العظيم يقي الاشتراكيين من خيبة الأمل التي تستسلم لها حتماً الأحزاب الأخرى التي هي أقصر نظراً، سواء كان مقصود الجمهوريين الصرف أم الاشتراكيين العاطفيين الذين يعتقدون أن هدف الحركة النهائي هو مرحلة بسيطة.
لنطبق هذا على إيطاليا. إذاً إن انتصار البرجوازية الصغيرة (بسبيل الانحلال) والفلاحين سيؤدي، أغلب الظن، إلى تأليف حكومة من الجمهوريين «المهتدين»، الأمر الذي سيعطينا الحق الانتخابي العام، وقدراً أكبر بكثير من الحرية (حرية الطبع والنشر، والاجتماعات والجمعيات، إلغاء المراقبة البوليسية وما إلى ذلك، أي سلاحاً جديداً لا يجوز الاستهانة به.
وإما ستؤسس جمهورية برجوازية برئاسة هؤلاء الناس أنفسهم وبعض المازينيين، الأمر الذي من شأنه أن يوسع أكثر من ذي قبل حرية نشاطنا ومجاله، ولبعض الوقت على الأقل. ذلك أن الجمهورية البرجوازية، كما قال ماركس، هي الشكل السياسي الذي لا يمكن للنضال بين البرجوازيين والبروليتاريا أن يجد حلاً له إلا فيها. ناهيك عن التأثير الذي من شأن ذلك أن يمارسه في أوروبا.
إذن. إن انتصار الحركة الثورية الحالية لا يمكن أن يحدث دون أن يقوّينا ودون أن يوفر لنا وضعاً) أكثر ملائمة. وعليه نقترف خطأ فادحاً جداً إذا شرعنا نستنكف، إذا اكتفينا في مواقفنا من «affini» ***(المجاورة) بالنقد السلبي الصرف. وقد يحل زمن يتعين علينا فيه أن نتعاون معها بصورة إيجابية، ومن ذا الذي يعرف متى سيحل؟
واضح أنه ليس لنا أن نهيئ مباشرة حركة ليست حركة تلك الطبقة بالذات التي نمثلها. وإذا كان الراديكاليون والجمهوريون يعتبرون أنه آن الأوان للخروج للشارع، فليفسحوا المجال أمام حماستهم. أما نحن، فإن وعود هؤلاء السادة المدوية قد خدعتنا أحياناً كثيرة جداً إلى حد أننا لن نقع في الفخ من جديد.
فلا ينبغي، لا لبياناتهم ولا لمؤامراتهم، أن تعمي مشاعرنا. وإذا كنا ملزمين بدعم كل حرية شعبية بالفعل، فنحن ملزومون كذلك بألّا نضحي عبثاً بنواة حزبنا البروليتاري التي تكونت للتو، وبـأن نحول دون أن تتعرض البروليتاريا للإبادة في فتن محلية عقيمة.
بالعكس، إذا كانت الحركة وطنية بالفعل، فإن رجالنا سيشغلون مكانهم فيها قبل أن يوجهوا إليهم النداء، إذ إن اشتراكنا في مثل هذه الحركة أمر بدهي.
ولكنه يجب في هذه الحال أن نوضح لأنفسنا، وينبغي أن نعلن ذلك أمام الملأ، أننا نشترك كحزب مستقل، متحالف مؤقتاً مع الراديكاليين والجمهوريين، ولكنه يختلف عنهم أصلاً؛ وأننا لا نعلل النفس بأية أوهام بصدد نتيجة النضال في حال النصر، وأن هذه النتيجة لا يمكن أن ترضينا في أية حال من الأحوال، وإنها لن تكون بالنسبة لنا غير مرحلة من المراحل المبلوغة، غير قاعدة عملياتية جديدة لأجل المكاسب اللاحقة، وأن سبلنا ستفترق في يوم النصر بالذات، إننا سنشكل منذ هذا اليوم معارضة جديدة حيال الحكومة الجديدة، ولكنها معارضة ليست رجعية، بل تقدمية، معارضة أقصى اليسار التي ستدفع إلى تحقيق مكاسب جديدة تتجاوز إطار ما تم اكتسابه.
بعد النصر الذي نحرزه معاً، سيعرضون علينا، أغلب الظن، بضعة مناصب في الحكومة الجديدة، ولكنهم سيعرضونها حتماً بحيث نكون الأقلية. وهنا أفدح خطر. فبعد ثورة شباط (فبراير) 1848، ارتكب الديموقراطيون الاشتراكيون الفرنسيون (من جريدة، Reforme»»، ليدرو-رولان، لويس بلان، فلوكون وغيرهم) خطأ، بشغلهم مثل هذه المناصب.
فمع بقائهم أقلية في الحكومة، شاطروا طوعاً واختياراً المسؤولية عن جميع السفالات والخيانات التي اقترفتها الأغلبية المشكّلة من الجمهوريين الصرف حيال العمال؛ وفي الوقت نفسه، شل وجود هؤلاء السادة في الحكومة كلياً الأعمال الثورية للطبقة العاملة التي ادعوا بدور ممثليها.
إن كل ما قيل هنا ليس سوى رأي شخصي؛ وإني أعرب عنه لأنهم يسألونني عنه، علماً بأني أعرب عنه بقدر كبير من عدم الثقة، أما فيما يخص التكتيك العام، فقد اقتنعت بصحته طوال حياتي كلها، ولم يخيب أملي ولو مرة واحدة.
أما فيما يتعلق في ظروف إيطاليا الراهنة، فالأمر يختلف، فهذه المسألة يجب حلها في مكانها، ويجب أن يحلها أولئك الموجودون في وسط الأحداث.
كتب في 26 كانون الثاني (يناير) 1894. ماركس إنجلس، بصدد الثورة الاشتراكية، دار التقدم 1983، ص 330-333
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1049