كومونة باريس في حركة التاريخ
تركت كومونة باريس بصفتها أول دولة عمالية في التاريخ دروساً نستطيع التعلم منها حتى اليوم، في ذكراها الـ 150. فبين انطلاق الكومونيين إلى اقتحام السماء في آذار 1871 وإلى صوت الطلقات الأخيرة وراء المتاريس في مقبرة بيرلاشيز في أيار 1871، كان التاريخ يسجل محطة هامة في حركته.
بم تتلخص البطولة في محاولة الكومونيين؟ هكذا يسأل لينين في «الدولة والثورة». ويضيف: من المعروف أن ماركس قد حذر العمال الباريسيين قبل الكومونة بعدة أشهر، في خريف 1870. مبرهناً أن محاولة إسقاط الحكومة تكون حماقة يأس. ولكن عندما فرضت على العمال المعركة الفاصلة في آذار 1871، وعندما قبلها هؤلاء، وغدا الانتفاض أمراً واقعاً، حيّا ماركس الثورة البروليتارية بمنتهى الحماسة، ولم يتمسك ماركس بتقريع حركة جاءت في غير أوانها. ففي هذه الحركة الثورية الجماهيرية التي لم تبلغ الهدف، خبرة تاريخية ذات أهمية كبرى.
وكان لكومونة باريس موجة جماهيرية خارج باريس، ففي فرنسا نشأت محاولات مشابهة، مثل: كومونة ليون وكومونة مارسيليا، ولكن لم تستطع التجربتان التنفس، وانتهت في بدايتها. وفي الجزائر، نشأت كومونة الجزائر، التي لم تستطع الاستمرار أيضاً لأسباب تختلف عن أسباب كومونة باريس. وفي هذه الأصقاع، انتهت الموجة الجماهيرية التي أطلقتها الكومونة الباريسية.
في فرنسا على سبيل المثال، كان الفاصل الزمني بين الموجات الجماهيرية الرئيسية كالتالي: 1789، 1831، 1848، 1871. وفي الصين: 1900، 1911، 1919، 1925، 1927، 1935، 1945، 1949. وفي روسيا: 1905، 1912، 1917، 1929. مع الأخذ بعين الاعتبار زمن الصعود وزمن الهبوط في الحركة، وخصائص كل بلد وزمانه (لكل بلد خارطة الموجات الجماهيرية الخاصة به).
واحد من أهم الدروس التاريخية لتلك الأحداث: تمر كل موجة جماهيرية بمرحلة صعود ومرحلة هبوط، ولا تتشابه الموجات مع بعضها. كما تتعلم الجماهير من خلالها الكثير، تتعلم من أخطائها، وتراكم خبرة تاريخية مهمة وإن كانت الموجة قد أصيبت بالهزيمة نسبياً.
كما تسبق الموجات الجماهيرية الرئيسية، موجات أصغر هنا وهناك، تكون بمثابة الإعلان الأولي لحركة حان أوانها التاريخي، ومن أكبر الأمثلة على ذلك: حركة الإضرابات العمالية الكبرى في روسيا بين عامي 1900-1904، وبين عامي 1912-1917. كما أن كومونة باريس قد علّمت البلاشفة كيفية الانتصار عام 1917.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1010