معركة إعلامية في أستراليا!
لؤي محمد لؤي محمد

معركة إعلامية في أستراليا!

المعركة الفيسبوكية المحتدمة في أستراليا هي قصة فريدة للصراع بين عمالقة الإعلام والاحتكارات الكبرى المتنافسة، حيث استيقظ سكان أستراليا قبل أيام ليجدوا أن إدارة فيسبوك قد حظرت جميع الأخبار على المنصة.

قانون مساومة وسائل الإعلام

تصور وسائل الإعلام الغربية هذا الحدث كالتالي: «رفض رئيس الوزراء الليبرالي سكوت موريسون التراجع عن القوانين التي أدت إلى هذه الخطوة، وأن موقف موريسون هو خدمة مصالح نيوز كورب، وليس إنقاذاً للديمقراطية».
يبدو أن الصراع عميق إلى تلك الدرجة داخل الاحتكارات حتى يتصارع كل من زوكربيرغ ومردوخ على سوق الأخبار في أستراليا. ويبدو أن الرأسمالية بدأت تعاقب نفسها.
حيث نفذت فيسبوك حظراً للأخبار على مستوى أستراليا، رداً على قانون مساومة وسائل الإعلام الإخبارية الذي اقترحته حكومة سكوت موريسون، والمتوقع إقراره في مجلس الشيوخ الأسترالي.
وكان الخلاف قد تصاعد بين وسائل الإعلام التقليدية وبارونات التكنولوجيا الكبيرة منذ أسبوع، فوجد مستخدمو فيسبوك في أستراليا أنفسهم محظورين من مشاركة أو مشاهدة أي محتوى يتعلق بالشؤون الإخبارية.
وشمل هذا الحظر شبكات المنظمات الحكومية وغير الحكومية، كما وجد مكتب الأرصاد الجوية والمجلس الأسترالي للنقابات العمالية صفحاتهما مجردة من المحتوى. وقامت إدارة فيسبوك بإفراغ صفحات تابعة لمستشفى الأطفال الملكي وإدارة خدمات الطوارئ والطوارئ الأسترالية الغربية على الرغم من تنسيق العمل لاستجابات الوباء وموسم حرائق الغابات المسعور وغيرها من الظروف.

نيوز كورب ضد غطرسة الشركات

نشرت صحيفة «نيوز كورب» الأسترالية، التابعة لروبرت مردوخ، «مقال رأي» وصفت فيه الحظر بأنه «عمل من غطرسة الشركات ضد الشعب الأسترالي». وصفت جمعية وسائل الإعلام الإخبارية هذه الخطوة بأنها مثال كلاسيكي على القوة الاحتكارية. وحشدت فيسبوك ضدها جوقة معلقين قائلين ضد الخطوة السخيفة حسب وصفهم.
وحذر رئيس الوزراء سكوت موريسون الدول الأخرى من أن شكوكهم لها ما يبررها: فالشركات تعتقد أنها أكبر من الحكومات، وأن القواعد يجب ألّا تنطبق عليهم. ربما يغيرون العالم، لكن هذا لا يعني أنهم يديرونه.
وبعد ردود الفعل الأولى، أعادت فيسبوك الصفحات لأصحابها، وكتبت وسائل الإعلام: أصبح روبرت مردوخ من نيوز كورب ومارك زوكربيرغ من فيسبوك محبوسين الآن في قائمة الموت.

الحكومة الأسترالية وشركات الإعلام

نفّذت فيسبوك حظرها على مستوى أستراليا رداً على قانون مساومة وسائل الإعلام الإخبارية الذي اقترحته حكومة موريسون، والذي من المقرر أن يتم تمريره قريباً في مجلس الشيوخ.
سيجبر التشريع كل من غوغل وفيسبوك على الدفع للناشرين مقابل المحتوى الرقمي. وتقول فيسبوك: إن هذا القانون هو عقوبة لها، وردت لجنة المنافسة وحماية المستهلك الأسترالية، مشددة على أن القوانين ستصلح «اختلال التوازن الأساسي في قوة المساومة بين شركات وسائل الإعلام الإخبارية والمنصات الرقمية الرئيسية».
يقول الأستراليون: ليس هناك شك في أن فيسبوك يطلب محتوى إخباري من أستراليا. كما أنها تجني الأموال منه، وعلى الرغم من عدم وضوح المبلغ بالضبط. وبالمثل، فإن شركة نيوز كورب التي يملكها روبرت مردوخ، القوة الدافعة وراء القانون الجديد، لديها سجل حافل في المجال نفسه عندما تخدم الاحتكارات مصالحها.

ليست المواجهة الأولى

هذه ليست المواجهة الأولى بين عمالقة التكنولوجيا والحكومات وشركات الأخبار التقليدية حول الأرباح وحصة السوق. حيث نفذت غوغل حظراً للأخبار في إسبانيا عام 2014 عندما سنت تلك الدولة تشريعات مماثلة. وعلى الجانب الآخر، كان توجيه الاتحاد الأوروبي بشأن حقوق الطبع والنشر الذي تم التبجح به كثيراً في عام 2019 بمثابة طلقة تحذيرية تستهدف فيسبوك وأمثالها. لكن الطبيعة الدرامية- والعلنية للغاية- للمواجهة الحالية تضع كلا الطرفين في موقف حرج.
يبدو أن فيسبوك قد اختارت إكراه قوة مثل أستراليا، وبالمقابل فإن موريسون يتعرض لضغط هائل. قد يكون التراجع بمثابة إذلال يحتمل أن ينهي مسيرته. ويحظى موريسون بدعم مردوخ، وقام الأخير بضغط إعلامي تحذيري لمنعه من التراجع.
لقد استشهد الأستراليون بالنصر الضريبي الأخير على أمازون كسابقة لتأكيد تفوق السلطة الحكومية، بينما سخروا من فيسبوك باعتباره «دولة بلا قومية» وأصبحت «أكبر من أن تتسع لأحذيتها».
من جانبها، راهنت غوغل على أن السلام التفاوضي وهو أفضل من الحرب المفتوحة حسب غوغل، حيث أبرمت صفقة مع نيوز كورب لدفع ثمن المحتوى قبل ساعات فقط من قيام فيسبوك بالحظر على الأخبار. وستكشف الأيام والأسابيع المقبلة ما إذا كان عمالقة التكنولوجيا قد أخطأوا في الحسابات.

ما قصة المعركة الأسترالية؟

إذا ما تصادم رأسماليان يهوديان كبيران، مثل: زوكربيرغ ومردوخ، وتنافسا في الضغط على الحكومة الأسترالية من أجل سوق الأخبار في تلك البلاد وحول من سيتمتع منهما بحق احتكار الأخبار، فالقصة أبعد من اشتباك إعلامي بين شركتين من السلوك نفسه والتبعية الفعلية.
فالذي يجمع بين الاثنين كبير جداً، كلاهما مؤيدان للكيان الصهيوني، كلاهما يمارسان احتكار الأخبار، أحدهما إمبراطور للإعلام التقليدي عالمياً، والآخر بارون وسائل التواصل الاجتماعي عالمياً، وكلاهما يحاولان التوسع والبقاء في قمة الهرم. وكلاهما مؤيدان لديكتاتورية السوق الحرة. وكلاهما يجثمان فوق صدور الناس متلاعبين بوعيهم. أما القصة الحقيقة خلف ذلك: وصل التناقض بين الاحتكارات الكبرى إلى هذه الدرجة، أنها أزمة المنظومة الرأسمالية أيها السادة.
وسواد الناس عبر الكرة الأرضية، فهم غير راضين عن الإعلام التقليدي ووسائل التواصل الاجتماعي على حد سواء، فلا ناقة لهم ولا جمل عند الاثنين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1006